17-11-2024 08:35 AM
بقلم : عبدالهادي راجي المجالي
.. كنت في الكويت، عدت أمس منها.. وأنا أظن أننا نستعمل وصفاً غير دقيق حين نقول إنها دولة لديها فائض ثروة، الكويت لديها فائض في المروءة.. وليس فائض ثروة كما يقال.
هنالك جيل في الكويت دخلوا مؤسسات الدولة، ووصلوا لمناصب قيادية، نسبة كبيرة منهم تخرجوا من جامعاتنا ومعاهدنا، وظل سحر عمّان يسكن فيهم.. حين قابلتهم أحسست بحجم الوهج في عيونهم وحجم شوقهم، لمدينة أمضوا فيها ردحا من العمر.. كانوا يصافحونني بالقلب قبل الكف، وكان وفاؤهم للأردن ومحبتهم لنا كافية كي تعالج كل أوجاع الروح، وعثرات القلب.
لم ننتبه لهذه الفئة أبدا، لم نؤسس نادياً في الكويت لمن تخرجوا من جامعاتنا ومعاهدنا، كان الأجدى بالعمل الدبلوماسي الأردني في الخليج كله أن ينتبه لفئة من الناس أحبونا بأكثر من الحب، وظلوا على درب الوفاء للأردن.. هل فكرنا في هذا الأمر؟.. هل فكرت سفاراتنا مثلا باستقطاب هذه الفئات الذين وصلوا لمواقع مفصلية في دولهم؟ وساعدونا دون أن نطلب.
حين نتحدث عن الاستثمار وجلبه، ننسى أن أدواته موجودة.. ننسى أن الرمل على شواطئ الكويت يحن لنا مثل حنين شبابها، ننسى كثيرا أن هذه الدولة أرسلت لنا زينة شبابها كي يحضروا درجات الدكتوراة والماجستير وينخرطوا في خدمتها.. بشهادات أردنية وبروح نبيلة حرة، وبوفاء منقطع النظير لكل نافذة في عمان ولكل بوابة جامعة ولكل أستاذ علمهم أبجديات القانون والطب والهندسة.
في آخر يوم لي في الكويت دعاني المستشار الدكتور فهيد العجمي لوليمة عشاء، هذا الرجل كان رئيس اتحاد الطلبة في جامعة الكويت وهو شخصية قيادية متنورة، وأحد أهم المحاضرين في المعهد القضائي، حصل على الماجستير من جامعة آل البيت والدكتوراة من جامعة العلوم الإسلامية، وتحدثنا طويلا عن الأردن كان يعرفها مثل كفه بأكثر مما أعرفها أنا.. انتهى اللقاء بجملة فردتها على مسمعه وهي: هل أنت الأردني أم أنا.. الدكتور فهيد العجمي كان الأردني الحقيقي والحر.. نختلف فقط فيما كتب بخانة الجنسية في جواز السفر.. ولكن بما في القلب من دماء،?صدقوني أن دمه حر أكثر من دمي وروحه أردنية بأكثر من روحي.
أنا أفهم حديث الملك جيدا عن الاستثمار وأهميته، وأظن أننا بحاجة لتفعيل أدواته الخارجية بأكثر من الداخلية.. أظن أننا بحاجة لنجلس مع منصور العجمي، مع الوكلاء بوزارة الإعلام عادل المشعان وفهد الهذال ولافي السبيعي.. وخالد العنزي.. مع كل كويتي تخرج من جامعاتنا ومعاهدنا.. مع الروح الجامحة هناك، مع الناس التي تعشقنا فقط لأجل العشق.
عدت من الكويت أمس، وبي شوق لبحرها.. بي شوق للنوارس على ضفاف الشواطئ تصدح وتذكرني بما كتب السياب فيها، وكم أقام من مدن للقوافي والحب في زقاق شوارعها وبين رمل بحرها.. بي شوق لعتب فيصل الحمود وصراخه: كيف تأتي دون أن تخبرني؟.. بي شوق أيضا، للذين فتحوا لنا القلب ومدوا أهداب العيون بساطا.. وأخبروني بأن الله منحهم المال ليس لكي يستمتعوا به، ولكنه سخره لهم كي يكونوا نجدة للعروبة.. وللشقيق ولكي يبنوا أحلام الأوطان مثلما يبنى الحلم لديهم.
أضع مقالي هذا بين يدي وزير الخارجية، وأختمه بالقول في الكويت: ذوبوا عشقهم لبلدهم مع عشقنا لبلدنا.. لدرجة أنك تشعر بأن شبابيك (الجهراء) تطل على خلدا في عمان.. ومن هنا تراهم على شواطئ الخليج، يصدرون قبل النفط الحب والمروءة والشهامة والعروبة والكرامة..
شكرا لوزارة الإعلام الكويتية، وشكرا للعيون التي حملتني على أهدابها.. وعاشت الكويت.
Abdelhadi18@yahoo.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-11-2024 08:35 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |