حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,17 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 9641

بكلمات تفطر القلوب .. أم تودع ابنها الشهيد في غزة عبر رسالة مبكية

بكلمات تفطر القلوب .. أم تودع ابنها الشهيد في غزة عبر رسالة مبكية

بكلمات تفطر القلوب ..  أم تودع ابنها الشهيد في غزة عبر رسالة مبكية

17-11-2024 10:18 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - ودعت الدكتورة آلاء القطراوي ابنها الشهيد الطفل يامن الذي ارتقى في غزة عبر رسالة مبكية، في ذكرى ميلاده التاسع.

وتاليا ما كتبته الأم في وداع ابنها:

صباح الخير يا حبيبي يامن

كنتُ أتخيّلُ دائماً بأنّكَ أجمل ولدٍ في الدنيا

لا أتذكرُ متّى بالضبط كانت أول حركةٍ لك في رحمي، لكنني أتذكر حينها أنني ضحكت كثيراً، لم أتألم حين ركلتني، بل أحسستُ لأولِ مرّة بكُنه الأمومة، أن تتخلقَ روحٌ أخرى داخلي، ولوهلةٍ ما أتأمّل بي فأجدُ بي روحين، روحي وروحك، أو نفختين من الله عزّ وجلّ داخل جسدٍ واحد

كنتُ أتخيّلُ كيف سيكون شكلك؟ رافقتني أثناء مناقشتي لرسالتي الماجستير حينَ كنتُ حاملاً بك في الشهر السابع، كنتُ سأخبرك بذلك حين تكبر، وأشياء أخرى كثيرة وقصص وحواديت أخبرها لك ولأبنائك مثل الجدّات الطيّبات اللواتي كنتُ أراهن في أفلام الكرتون ..

الفتاة التي عاشت جلّ حياتها الجامعية بين المكتبة والأمسيات والندوات الثقافية، لا تعرف الكثير عن ماهيّة الأمومة، لكنّك علّمتني الكثير عنها

حين ذهبت في مثل هذا اليوم للمراجعة الدورية في المشفى، نظر لي الطبيب نظرة ارتياب وهو يقيس ضغطي لأنه تفاجأ بارتفاعه، فجأة استدعى زميلاً له واستشار آخر، ثم وجدته يخبرني تجهّزي لدخول العمليات، سألته ما هنالك ؟ لم يجبني واكتفى بالصمت

نظرت لي ممرضة تبدو خبيرة بمهمتها ركزّت أن أخلع أقراطي من أذني وأن أحرص ألّا تكون هنالك أي قطعة معدنية على جسدي، وفعلت كما أرادت، أدخلوني غرفة العمليات بسرعة بينما الأطباء حولي يتحدثون حول حالتي بمصطلحات طبيّة لا أفقه معناها؟ سألت أحدهم هل حالتي خطيرة؟ قال لي برفق: لا تقلقي، ليس هنالك شيء

لا أتذكر أسماءهم جيداً، لكنّهم كانوا في منتهى الإنسانية معي، كان فريقا طبياً يتبع لمشفى ناصر الحكومي في مدينة خانيونس، المشفى الذي تحوّل الآن إلى مقابر جماعية متعددة، أخبرني الطبيب أنني سأخضع لبنجٍ نصفيّ في العملية القيصرية، وعليَّ ألّا أخاف، سألته إذا كنتَ ستكونُ بخير يا يامني؟ فقال لي نعم لا تقلقي عليه، وضع الطبيب قطعةً من القماش مثل الستارة أمام وجهي وحين تأكد أنني لا أستطيع تحريك أقدامي وقد تخدّر نصفي بدأ بإجراء العمليّة

أتذكر طبيب التخدير الذي كان يقف بجانب رأسي، كان ينظر لي تارةً ثم إلى شاشةٍ أمامه يظهر عليها قياس ضغط دمي، ثمَّ فجأة راعني ما أنا فيه فبكيت، حاول أن يقول لي نكتة كي أتوقف عن البكاء، فقد كان حريصاً أشدّ الحرص ألّا يرتفع ضغطي أثناء العملية وكل علامات القلق على وجهه، الحقيقة أنّه كان إنساناً جدّاً، كلّما نظر لي قال لي: يا آلاء سيكون ولداً مشاكساً وغداً يكبر ويتزوج ثم يزعجكِ أطفاله وهم يطلبون كلّ يوم من جدّتهم المصروف والألعاب، كنتُ أبتسم وأنا أتخيّل كل تلك الأشياء التي تحدّث عنها، وكنتُ أفكّر إذا كنتَ ستحبّ الشعر؟

ثمَّ فجأة رفعك الطبيب أمام وجهي بعد أن أنهى إجراء العملية، وقال لي : انظري لهذا الولد الحلو لم أكن أستطيع رفع رأسي ولا تحريك جسدي، لكنّ الطبيب جعلك قُبالةَ وجهي لأراكَ للمرّة الأولى في حياتي

فتحتَ عيونك والتقت نظراتنا مباشرة

قلتُ لك: ما أحلى عيونك ..

ضحك الطبيب وقال نعم إنّه ولدٌ جميل، أنجبي دائماً ..

كنت أول الجمال وأول الفرح وأول الدفء، وتعلّمتُ من قلبك الكبير الكثير، ومن حنانك الجمّ، لم أرَ في مثل عطفك وحبّك، وكأنّك معجونٌ من طينة الحبّ وكمال النُبل يا صغيري

اليوم تصبح في التاسعة من عمرك ..

كلّ عامٍ وأنتَ باكورة الجمال والطيبة في عمري

مازالت قُبلك على خدّي وأنت تقول لي بحبك ماما، كل وردة قطعتها لي ونحن نمشي في الطريق وأنت تقول لي ماما هدية حب لك، كل حضن مفاجئ لي بعد إنهائي للصلاة وأنت أيضاً تقول لي كلماتك الحلوة

ونحن نسير معاً آخر مرّة، وجدنا رجلاً مسكيناً على الطريق

همست لك يامن خذ هذا المبلغ وضعه في يده، ذهبتَ من فورك بكل لطفك وإحسانك وفعلتَ هذا وأنا أنظر لك وأدعو أن تكون من الصالحين

ثم حين عدت والفرح يملأ عيونك، قلت لك بتعرف يا ماما أنت وضعت هذا المال في يد ربنا، فاتسعت عيونك وقلت لي وأنت تضحك : كيف يعني ؟

فشرحت لك أننا حينما نطعم أحدا أو نتصدق يفرح بنا الله عز وجل وكأننا نعطيه

فقلت لي: دائما سأعطيه ماما

حضنتك طويلا ولم أكن أعرف بأنني سأضعك كلك يا حبيبي في يد الله عزّ وجلّ، وبأنّ حبيبي الله اشتراك منّي، وأنني قبلت شراءه منذ كنتُ في عالم الذرّ، فكنت أجملَ تجارةٍ لي أنت وأخوتك في هذه الحياة الدنيا، وقد حقّقني الله بقوله( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة )

تعرف لماذا أكتب لك ؟

لأنني أعلم يقيناً أنّك حيّ وأنّ الشهداء يقرؤون ويسمعون ويعرفون ويُرزقون

لذلك أقول لك بأنَّ أم يامن تحبّك جدّاً

وأنّ دمك لا يهون على خالقي كما أنّ صبري ليس شيئاً عادياً في ميزانه وأنّه سيقرّ عيني وأهل غزّة وكلّ أهل فلسطين بيومٍ لا احتلالَ فيه ولا نَصَب، يومٍ أعود به من القدس وأقفُ على قبرك أنت واخوتك لأقول لك: لقد عدت إليكم الآن من القدس والرملة وعكا وحيفا

لقد كانت فلسطين تستحق يا ماما

أثق بأنّه سيكون، وأثق أنّ الله عزّوجلّ سيشهدني ذلك اليوم

أحبّك يامن كثيراً يا ابني البكر الحنون الطيّب الذّكي الغالي الجميل الفاتن ..

يا أجمل ولدٍ في الجنّة

أمّك

آلاء القطراوي

غزة

في عيد ميلادك التاسع













طباعة
  • المشاهدات: 9641
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
17-11-2024 10:18 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم