19-11-2024 07:06 PM
بقلم : جوان الكردي
كانت تلك الأيام تنبض بالبساطة، أيام الثمانينيات والتسعينيات، ولبعضنا ما قبلها، حيث كانت الحياة تزخر براحة النفس رغم شظف العيش.. وكانت المحبة تغمر القلوب وتجعلنا أكثر ألفة وتوادّاً.
كنا نعيش في بيوت تضج بالحب، يجمعنا الوقت ويغمرنا ببركته، لا نحتاج كثيراً من المال لنكون سعداء، بل كانت السعادة تكمن في اجتماع العائلة وزيارات الأقارب واهتمامنا ببعضنا بعضا وتبادل الأحاديث والمشاركة العفوية في كل المناسبات ومشاطرة المشاعر في الأفراح والأتراح بصدق نية.
كانت الطفولة أروع ما نملكه، نلعب في الأزقة ونضحك ونفرح.. حتى نغرق في النوم. كانت الحلوى البسيطة فرحة لا توصف، ولبس العيد كان حلماً ننتظره بشغف. لم تكن لدينا هواتف ولا إنترنت، لكننا كنا أغنى الناس بوقتنا وبحب بعضنا بعضا.
أذكر كيف كنا ننتظر برامج التلفاز المحدودة بساعات بثها، وكيف كنا نلتف حول الراديو لنسمع الأخبار أو أغنيات الزمن الجميل. كان كل شيء بطيئاً لكن ممتع، وكأن الوقت يحنو علينا ولا يسرع الخطا ليفلت من بين أيدينا.
أما اليوم، فلا ندري؛ أنحن تغيرنا أم الحياة تغيرت كثيراً، صارت عجلة الزمن أسرع من قدرتنا على ملاحقتها.. تطحننا.. تلتهمنا.. تُلقينا في مهبّ الريح أو غيابة الجب.. ولا نستطيع معها صبرا.
التكنولوجيا اقتحمت كل شيء وتوغلت في مختلف تفاصيل معيشتنا، منحتنا وسائل اتصال لا تنتهي، لكنها سرقت منا التواصل الحقيقي. صار الأقارب مشغولين ومنشغلين بتفاصيل الحياة اللازمة منها والزائدة وبمقارعة تكاليفها، والزيارات نادرة، والمناسبات تمرّ من دون ذلك الدفء الذي عهدناه.
ننظر إلى أولادنا اليوم ونقول لهم: "أعانكم الله على زمنكم الصعب".. زمنٌ يلتهم الأحلام والأمنيات، يتطلب السرعة والمنافسة في كل شيء ، ومواجهة التحديات والأعباء الاقتصادية والاجتماعية. حروب مشتعلة، والمال شحيح، والآمال باتت تتطلب جهوداً مضاعفةً لتحقيقها.
لكن، رغم كل شيء، تظل ذكريات تلك الأيام الجميلة محفورة في قلوبنا. نسترجعها بابتسامة ودمعة، ونتمنى لو تعود ولو للحظة. لا لنهرب من حاضرنا، بل لنعيش فيها مرة أخرى ونمنح أولادنا جزءاً مما كنا نملكه من براءة وفرح وسلام.
على كل حال، ستظل تلك الأيام شاهدةً على جمال الحياة حين كانت بسيطة، وستبقى قلوبنا تدعو أن يجد الجيل الجديد طريقه إلى السعادة رغم تعقيدات الزمن، لأننا نؤمن بأن كل عصر يحمل جماله الخاص، فقط علينا أن نبحث عنه في تفاصيله.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-11-2024 07:06 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |