27-11-2024 01:06 PM
بقلم : د.نشأت العزب
لقد أصبح العالم في خضم ثورة تكنولوجية غير مسبوقة، تقودها تطورات هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية. هذه التغيرات السريعة أعادت تشكيل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وأثارت تساؤلات حقيقة حول مستقبل الوظائف والأنظمة التعليمية التقليدية، فمع تزايد الأتمتة وتحول العديد من المهام إلى البرمجيات والروبوتات، يبدو أن هناك تحديًا حقيقيًا يواجه سوق العمل العالمي و يحتاج إلى اعادة النظر بجدية في انظمتنا التعليمة التي تعد المورد الاول لسوق العمل و بالمحصلة الرافد الاول للاقتصاد الوطني.
أن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا قد أدى إلى اختفاء العديد من الوظائف التقليدية، فمثلاً أصبحت مراكز الاتصال تعتمد على الذكاء الاصطناعي بدلاً من الموظفين، وتحولت خطوط الإنتاج الصناعية إلى روبوتات قادرة على العمل بكفاءة أعلى وأخطاء أقل، حتى الوظائف التي كانت تتطلب مهارات فكرية مثل المحاسبة والتحليل المالي أصبحت مهددة مع ظهور أدوات التحليل الذكية، و لم تكتفي هيمنة الذكاء الاصطناعي إلى هذا الحد بل اصبح استخدامه طبياً اكثر جدوى و دقة من اليد البشرية مما يجعلنا أمام تحدٍ حقيقي في كيفية تسخير التطور التكنولوجي من دون احداث أضرار كبيرة على النظام الاقتصادي الاجتماعي و ما يمكن ان يحدثه من نتائج سلبية على المجتمعات و في المحصلة نصبح ضحيه ذكائنا البشري الذي أوجد الذكاء الاصطناعي.
و على صعيد آخر، نشأت وظائف جديدة لم تكن موجودة قبل سنوات قليلة، مثل مطوري الذكاء الاصطناعي، ومحللي البيانات الضخمة، ومدربي الروبوتات. لكن هذه الوظائف تتطلب مهارات متقدمة غالبًا ما تفتقر إليها شريحة كبيرة من القوى العاملة التقليدية، مما يعمق فجوة المهارات في السوق و يجعلنا ننظر بجدية إلى ضرورة تغيير نظامنا التعليمي ليصبح اكثر موائمة و واقعية لما يشهده العالم من تسارع تكنولوجي و تقني .
إن الأنظمة التعليمية التقليدية في معظم دول العالم تعتمد على أساليب تلقينية وتخصصات تقليدية لا تواكب العصر، إذ تركز هذه الأنظمة على إعداد الطلاب لوظائف محددة في سوق العمل بدلاً من تعزيز مهارات الإبداع وحل المشكلات التي أصبحت ضرورة في عصر التكنولوجيا، علاوة على ذلك يفتقر العديد من المناهج إلى التعليم التكنولوجي العميق الذي يمكن الطلاب من التفاعل مع التحولات الرقمية و على سبيل المثال، بينما يحتاج سوق العمل إلى مبرمجين ومحللي بيانات، لا تزال المدارس في كثير من البلدان تقدم تعليماً محدوداً في البرمجة أو التكنولوجيا المتقدمة.
في ظل هذا الواقع، يبدو أن هناك حاجة ملحة لإعادة تصميم الأنظمة التعليمية لتتناسب مع متطلبات المستقبل،فعلى الرغم من المخاوف من أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى عالم بلا وظائف، فإن الواقع يشير إلى أن التكنولوجيا تخلق أيضًا فرصًا جديدة، لكن هذه الفرص ستكون متاحة فقط لمن يمتلك المهارات المناسبة، لذلك فإن اسمرار الأنظمة التعليمية الحالية التي تعمل على إعداد الطلاب بمواد تعليمية لا تتطابق من الطريق للمستقبل الذي يسير عليه العالم اليوم لا تحدث شي سوى تضخم أزمة البطالة و تضخم الفجوة التعليمة بين دول العالم الاول و الثالث، فمن مسؤوليتنا إعداد نظام تعليمي جديد يجعلنا نشارك العالم في صناعة المستقبل و تمكين أطفالنا من صنع مستقبلهم بأيديهم و عقولهم، فالعالم يتغير بسرعة بفعل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي و من الضروري إدراك أن الأنظمة التعليمية التقليدية لم تعد كافية، و التحدي الآن هو إعادة تصور التعليم ليصبح أداة للتكيف مع المستقبل، بدلاً من كونه مجرد وسيلة لتحقيق وظائف قد تختفي قريبًا، و هذا يتطلب رؤية شاملة وشجاعة لاتخاذ قرارات جريئة تضع التعليم في طليعة الابتكار.
في الختام ، ان محاولة الوقوف في مواجهه التطور التكنولوجي ما هو إلا معركة خاسرة في تحقيق التأقلم الفعلي مع الذكاء الاصطناعي، في حال يمكننا إطلاق مبادرة لإنشاء “مركز وطني لتوظيف الذكاء الاصطناعي”، يهدف إلى جعل التكنولوجيا أداة مركزية تعمل في مختلف التخصصات و تسهم في توظيف ايدي عاملة تساعد في تطويرها و يمكن ان يكون له الدور الكبير في جلب شركات في هذا المجال مما يسهم من تقليل البطالة و رفد الاقتصاد الوطني و على جانب آخر فإن عملية تطوير الموارد البشرية في هذا المجال يجعل اقتصادنا منفتح على الاقتصاد العالمي مما لذلك الأثر الكبير في إمكانية نشوء شركات محلية تسهم في رفد الاقتصاد الوطني ايضاً.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-11-2024 01:06 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |