28-11-2024 09:12 AM
بقلم : د. حمزه العكاليك
شهد العصر الرقمي تطوراً مذهلاً في أدوات التأثير والتلاعب بالرأي العام، حيث أصبحت البيانات والمعلومات الرقمية قوة هائلة تشكل ساحة المعركة الجديدة في صراعات النفوذ والتأثير. ففي ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد الاعتماد عليها كمصدر للأخبار والمعلومات، برزت أسئلة حول مدى استغلال هذه المنصات لأغراض سياسية وتجارية، وهل يمثل هذا الاستغلال تطوراً حديثاً للديماغوجية التقليدية؟
الديماغوجية التقليدية كانت تعتمد على الخطاب العاطفي والإغراءات الوهمية لإقناع الجماهير، وكانت تقتصر على نطاق جغرافي محدود. أما الديماغوجية الرقمية، فتعمل على مستوى أوسع بكثير، وتستغل قدرات التكنولوجيا الحديثة لتحليل سلوك المستخدمين وتقديم محتوى مخصص لهم بدقة متناهية.
فمنصات التواصل الاجتماعي تعتمد على خوارزميات معقدة لتحليل سلوك المستخدمين وتقديم المحتوى الذي يرجح أن يجذب انتباههم. هذه الخوارزميات تجمع بيانات هائلة حول تفضيلات المستخدمين، اهتماماتهم، علاقاتهم الاجتماعية، وسلوكهم عبر الإنترنت.
فتحليل الخوارزميات يساهم في تقديم تجربة أفضل للمستخدم من خلال عرض محتوى يتناسب مع اهتماماته. ويساعد في رصد التوجهات والآراء السائدة بين المستخدمين. ويمكن للمعلومات المستقاة من تحليل البيانات أن تساعد في تحسين خدمات المنصة وتطويرها.
الا ان لهذا التحليل أوجه استغلال تؤدي الى اضرار لا يمكن حصرها والسيطره عليها فمن الممكن ان تساهم في بناء فقاعات معلوماتية: فيمكن للخوارزميات أن تساهم في بناء فقاعات معلوماتية حيث يعرض للمستخدمين فقط المحتوى الذي يتفق مع آرائهم، مما يعزز الانقسامات الاجتماعية ويصعَب الحوار البناء.
كما يمكن استغلال هذه البيانات لتوجيه الرأي العام نحو مواقف معينة أو دعم أجندات سياسية معينة. او لنشر الأخبار الكاذبة فيمكن للخوارزميات أن تساعد في نشر الأخبار الكاذبة والشائعات بسرعة وفعالية أكبر.
وهناك مئات الأمثلة من الواقع العملي كالتسويق المستهدف: حيث تستخدم الشركات تحليل البيانات لتقديم إعلانات مخصصة لكل مستخدم، مما يزيد من فعالية الحملات التسويقية. كما تستخدم هذه التحليلات للتلاعب بالرأي العام: فهناك أدلة على أن بعض الجهات استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار الكاذبة والتلاعب بالرأي العام في العديد من البلدان.
وعلى المستوى المحلي هناك العديد من الامثله لمثل هذا الاستغلال كما حدث عندما قامت وزارة التربية بتوزيع وجبات مدرسية على الطلبة تحتوي على حبوب فيتامينات حيث ظهرت العديد من التحليلات الاجتماعية التي تفترض ان هذه الفيتامينات هي لغايات تحديد النسل ولم يظهر اي دليل علمي على ذلك الا انها مجرد اشاعه ظهرت وتدحرجت لكبر وتصبح ما يشبة الحقيقه على مستوى الوطن.
كما ظهرت اشاعه اخرى تتعلق بالمستشفى الرقمي الذي تعمل على انشائه وزارة الصحة ووزارة الاقتصاد الرقمي من خلال تمويل امارتي حيث تم تجاهل الهدف والغاية من التحول الرقمي للخدمات الصحية وابتداع اشاعه جديده تقوم على ان الشركة المنفذه تهدف الى بيع بيانات الاردنيين الى الكيان الصهيوني.
ولا بد هنا من النظر تحليل ما تم تداوله حيث الاتفاقيات التي يتم توقيعها لمثل هذه الاغراض تترافق مع التزامات بالحفاظ على سرية البيانات وكيفية التعامل معها وتحليلها ومن مسموح له بالاطلاع عليها ومدة تخزينها؛ ولم يظهر اي دليل من قبل من روجوا لهذه الاشاعه على ما تم الترويج له الا فقط اسغلال للراي العام والعاطفه والموقف من الكيان المحتل وان هذه الشراكة والتمويل من الجانب الاماراتي هي فقط لتسريب بيانات الاردنيين.
واما الحصول على بيانات الاردنيين فاود ان اشير هنا الى ان اجهزه الهاتف الذكية التي في ايدينا ونتعامل معها كل يوم ودقيقه هي اكبر جامع بيانات عن حامليها وبطريقه مجانية دون الحاجه الى دفع ملايين الدولارات للحصول عليها وبموافقة والارادة الحرة لحامليها؛ فوسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات التي على هواتفنا على اختلاف انواعها تجمع مختلف انواع البيانات بشكل مجاني وبموافقة المستخدمين وتحللها وتبيعها للاطراف المهتمه.
فمن مواقع الشراء والاماكن التي يزورها الشخص الى عدد نبظات القلب وحركة العين والمزاج اليومي بناء على الحاله النفسية من خلال تقاسيم الوجه للشخص الى عادات الانفاق واماكن الانفاق؛ تقدم تحليل شامل عن سلوك الفرد واسلوب حياته اليومية والعامه دون الحاجه الى انفاق مئات الملايين في شراكات بين دول للحصول على هذه المعلومات وللتاكد من هذه البيانات التي يتم جمعها يستطيع اي مستخدم لهذه التطبيقات او الاجهزه الذكية الرجوع الى تاريخ المواقع التي زارها او انفق عليها او تصفحها او عدد نبضات القلب او المسافه التي قطعها في يوم او وقت معين من خلال هاتفه والذي ينقلها الى مزود خدمات التطبيقات لتحليلها وبيعها.
وعليه يمكن القول إن تحليل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي يمثل تطوراً نوعياً للديماغوجية التقليدية، حيث يوفر أدوات أكثر دقة وفعالية للتأثير على الرأي العام. فبدلاً من الاعتماد على الخطاب العاطفي العام، يمكن للديماغوجية الرقمية استهداف الأفراد بشكل مباشر وتقديم رسائل مخصصة تلبي احتياجاتهم ورغباتهم.
إن تحليل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي يمثل تحدياً كبيراً للمجتمعات الديمقراطية، حيث يهدد بتقويض الحوار البناء والتشكيك في مصداقية المعلومات. ويجب على الحكومات والشركات ومنصات التواصل الاجتماعي العمل معاً لتطوير آليات تنظيمية تضمن استخدام البيانات بشكل مسؤول وتمنع استغلالها لأغراض سياسية أو تجارية ضارة. كما يجب على الأفراد أن يكونوا أكثر وعيًا بأساليب التلاعب بالمعلومات وأن يتعلموا كيفية التحقق من صحة الأخبار قبل مشاركتها.
في النهاية، يجب علينا جميعاً أن نكون حذرين من قوة البيانات والذكاء الاصطناعي، وأن نعمل على استخدامها بطريقة تعود بالنفع على المجتمع ككل.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-11-2024 09:12 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |