07-12-2024 08:34 AM
سرايا - في اليوم التاسع من الحرب في سورية، دخلت قوات المعارضة مدينة حماة لأول مرة بعد خمسة أيام فقط من السيطرة على مدينة حلب.
فبعد ثماني سنوات، عادت حلب لتمثل نقطة التحول في مسار الثورة السورية مرة أخرى، بعد الهجوم الذي شنته الفصائل المسلحة في إدلب تجاه مناطق سيطرة قوات الحكومة، الذي أطلقت عليه "عملية ردع العدوان"، قبل عشرة أيام؛ حيث وصلت في اليوم الثالث إلى تخوم مدينة حلب وسيطرت على ما يقرب من 400 كيلومتر مربع ضمن 56 بلدة وقرية في حلب وإدلب، وفي اليوم التاسع من المعركة كانت قوات المعارضة داخل مدينة حماة لأول مرة، وبدأت قواتها بالتوجه نحو حمص.
كانت تلك اللحظة بمنزلة نقطة التحول الرئيسية والفارقة في مسار الثورة السورية التي اندلعت في آذار (مارس) 2011، فما أعقب ذلك كان جملة من الانسحابات المتتالية لفصائل المعارضة، سواء بالقتال أو بالمصالحة، انتهاء بتحييد المعارضة السورية المسلحة في حيز ضيق بمحافظة إدلب الحدودية مع تركيا، والواقعة في أقصى شمال غرب سورية، في منطقة لا تتجاوز مساحتها 3000 كم مربع، وذلك بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا بعد محادثات مطولة في آذار (مارس) 2020.
كان هذا الانهيار السريع لقوات الأسد بمثابة مفاجأة لجميع المراقبين، حيث لم يسبق لمعارك الثورة السورية أن حسمت بهذه السرعة، مما يطرح أسئلة حول قدرة المعارضة على إحكام السيطرة والاحتفاظ بهذه المساحات الواسعة من الأراضي التي حصلت عليها جملة واحدة.
معارك حلب التي حسمت هذه المرة خلال ساعات كانت قد استغرقت في المرة الأولى قرابة 4 سنوات، من التقدم والانحسار المتبادل، في أرياف حلب وشوارع مدينتها، حتى استطاعت قوات الحكومة السورية حسمها لصالحها في كانون الأول (ديسمبر) 2016.
ثمة أسباب ميدانية عديدة يمكن أن تشرح جانبا من أسباب الانهيار السريع لقوات الحكومة السورية، فبحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز"، فقد سادت حالة من الشعور بالإحباط واليأس في الأوساط المؤيدة للأسد، بعد 13 عاما من اندلاع الحرب، لا سيما بين صفوف الجيش.
كما أن سورية على حافة الانهيار الاقتصادي والمالي منذ سنوات، مثقلة بأعباء الديون غير المسددة للحلفاء الذين خاضوا معها الحرب. ففي 2023، قال حشمت الله فلاحت بيشه، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إن سورية مدينة لإيران بنحو 30 مليار دولار، وأشارت تقارير عديدة إلى أن إيران استغلت المطالبة بهذه الديون الهائلة للضغط على الحكومة السورية في ملفات متعددة، مثل منح الإيرانيين جميع الحقوق المماثلة للمواطنين السوريين داخل سورية.
كما أنه بعد انحسار العمليات العسكرية منذ 2020، لم تتحسن أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية، حيث استمر انهيار العملة المحلية وازدياد مؤشرات الفقر، وانتشرت مظاهر السخط العام، بما في ذلك بعض مناطق العلويين الداعمة لنظام الأسد، ففي 2023، انطلقت تظاهرات في مناطق سيطرة النظام احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية، بدأت من مدينة السويداء جنوبا، ذات الأغلبية الدرزية، وانطلقت لتشمل 7 محافظات بشكل متسارع.
وفي تصريح لـ"فايننشال تايمز"، قال أحد العلويين السوريين: "نحن مستعدون لحماية قرانا وبلداتنا، لكنني لا أعلم ما إذا كان العلويون سيقاتلون من أجل مدينة حلب، لقد توقف النظام عن إعطائنا أسبابا للاستمرار في دعمها".
لقد صارت الخدمة الاحتياطية في الجيش خلال السنوات الأخيرة عبئا على المجندين وعلى النظام في آن واحد، نظرا للإرهاق المادي الهائل الناتج عن تمديد مدة الخدمة، مما دفع الجيش السوري في منتصف العام الحالي إلى الإعلان عن بدء خطة لتسريح قوات الاحتياط، على 3 مراحل، تبدأ من تموز (يوليو) 2024 وتنتهي في تشرين الأول (أكتوبر) 2025، مع تسهيل دفع "بدل مالي" يبلغ نحو 3000 دولار لمن يفضل عدم الانخراط في الخدمة العسكرية.
يضاف إلى ما سبق أن كثيرا من مجندي الخدمة الاحتياطية لا يخدمون في مدنهم ولا قراهم، بل ينقلون إلى مناطق بعيدة للخدمة فيها، مما يقلل من الشعور بالانتماء للمنطقة التي يجب عليهم الدفاع عنها، وهو ما يفسر، جزئيا، حالة الانسحاب السريع لكثير من قوات الأسد من دون قتال.
في الاستراتيجية العسكرية، ثمة مبدأ رئيسي هو "وحدة القيادة"، فكفاءة القتال والاستخدام الأمثل للموارد في مسرح العمليات يتطلبان قيادة مركزية تحدد التوجهات، وتضبط التحركات، وتنسق بين الوحدات المختلفة بما يخدم الاستراتيجية العامة للحرب. كانت إحدى الثغرات الرئيسية لقتال المعارضة السورية في سنواتها الأولى هو تعدد القيادات وتعارض الخطط بشكل قد يصل إلى التعارض أحيانا.
هذه المرة عادت الفصائل بوجه غير الذي ذهبت به، فدخلت فصائل إدلب الحرب كما لو كانت جيشا نظاميا، حيث بدا الانضباط والتنسيق الواضح في خطوط سير العمليات العسكرية، من خلال قيادة موحدة تخضع لما يسمى "إدارة العمليات العسكرية".
بيد أن التحولات الإيجابية التي جرت في جانب الفصائل المسلحة لم تقتصر على نمط القيادة فقط، بل تطورت أيضا القدرات العسكرية بشكل لافت من حيث مستويات التسليح والأنماط التكتيكية. على وجه الخصوص، ظهرت الطائرات المسيرة المصنعة محليا من طراز "شاهين" منذ اليوم الأول لانطلاق المعركة، كما نشرت "إدارة العمليات العسكرية" مقطعا مصورا يظهر مسيرات أخرى تحمل اسم "سرايا العقاب".
وأعطت هذا المسيرات فرصة لقوات المعارضة لتنفيذ عمليات نوعية عدة، فضلا عن ذلك، تمكنت المعارضة من السيطرة على مخازن أسلحة ضخمة تضم أسلحة نوعية مثل الصواريخ المضادة للدروع الموجهة آليا، ومطارات عسكرية، وقذائف صاروخية، وراجمات صواريخ، وما يزيد على 100 دبابة، على إثر السيطرة على مواقع عسكرية مهمة، أبرزها مطار حلب العسكري، ومطار كويرس، والفوج 46، والفوج 80 دفاع جوي.
وشملت المعدات المضبوطة في قاعدة كويرس العسكرية مروحية من طراز "مي- 8، وطائرة تدريب قتالية من طراز "إل- 39، كما أشارت تقارير إلى أن منظومة صواريخ مضادة للطائرات من طراز "إس- 200، إلى جانب أنظمة الدفاع الجوي "ستريلا- 10" و"بانتسير-إس1، أصبحت بحوزة المعارضة.
وفي الوقت نفسه، فإن الدفع نحو مدينة حمص الذي بدأته المعارضة فعليا، على بعد نحو 110 كيلومترات من اللاذقية و80 كيلومترا من طرطوس، من شأنه أن يقطع الرابط البري لقواعد روسيا على البحر الأبيض المتوسط في اللاذقية وطرطوس عن قواتها المحدودة في وسط سورية وشرقها. وقد يتدهور الوضع أكثر إذا أعادت المعارضة تنظيم صفوفها في جنوب سورية، حيث تحتفظ روسيا بوجود عسكري هناك، وخاصة في محافظتي القنيطرة ودرعا بالقرب من مرتفعات الجولان التي تحتلها "إسرائيل".
وإجمالا، تبدو جميع الظروف المحلية والإقليمية في صالح المعارضة السورية أكثر مما كانت عليه من قبل، فحزب الله يلملم جراحه على إثر حرب طويلة استنزفت الكثير من قدراته ووقف إطلاق نار هش ينتظر شرارة عودة القتال مرة أخرى، وإيران أيضا ليست في موقف جيد، حيث تتعرض استراتيجيتها العسكرية ونفوذها الإقليمي لأصعب اختبار منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية في 1988، وروسيا تعتبر حربها في أوكرانيا أولوية قصوى.
إذن مرة أخرى، تدور الدائرة وتعود الحرب في سورية لسيرتها الأولى، حيث تبدو المعادلة الداخلية محسومة لصالح المعارضة.-(وكالات)
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
07-12-2024 08:34 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |