11-12-2024 11:10 AM
بقلم : د. صلاح جرّار
يُسَجَّلُ لأسرة برنامج مكتبة الأسرة في وزارة الثقافة حرصها على ربط اختياراتها للكتب التي توفّرها للأسرة الأردنيّة بمجريات الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبمشاغل المواطن الأردني الفكرية والحياتيّة المختلفة وبرسالة العمل الثقافي، ولمــّا كان ما تتعرّض له غزّة وأهلها من عدوان همجي ووحشي صهيونيّ وغربيّ من أكثر ما يشغل الناس في هذه الأيام، فقد كان اختيار كتاب «تاريخ غزّة» لمؤلّفه عارف العارف ليكون ضمن اختيارات مكتبة الأسرة في دورتها الحالية الثامنة عشرة رأياً موفّقاً وسديداً لأنه يساعد على توضيح كثير من التفاصيل التي تتحدث بها الأخبار عن هذا القطاع المهمّ من الأرض الفلسطينيّة.
وقد نشر عارف العارف (1892- 1973) هذا الكتاب سنة 1943، أي قبل إنشاء الكيان المحتلّ في فلسطين بنحو خمس سنوات، إلاّ أنّه يشير إلى تنامي المستعمرات اليهودية التي أسست أيّام الاحتلال الإنجليزي في غزّة، ويشير إلى المؤامرة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
ويعدّ هذا الكتاب، في ما تضمّنه من معلومات واسعة عن غزّة منذ أيام المعينيّين والأدوميّين والكنعانيين والفراعنة إلى تاريخ تأليف الكتاب، من أهمّ المراجع التي تغطّي مختلف الجوانب التاريخية والجغرافية والاجتماعية والاقتصاديّة وغيرها لقطاع غزّة. وقد بدأه مؤلفه بإيراد كشّاف بالمصادر والمراجع التي استند إليها في تأليف كتابه من كتب عربيّة قديمة وحديثة وكتب تركية وكتب إنجليزية وكتب فرنسيّة ممّا يدلّ على اتّساع ثقافة المؤلّف وسعة اطّلاعه ويعزّز الثقة بما أورده في كتابه، كما أنّ كثيراً من المعلومات التي وصف بها غزّة وعسقلان في زمن تأليف الكتاب تجعل المؤلّف بمثابة شاهد عيان. ومن أهمّ ما في الكتاب أنّه يقدّم معلومات تفصيلية ودقيقة تتصل بجوانب قلّ أن يعرض لها المؤرخون أو الدارسون.
وقد بدأ المؤلّف كتابه بفصل عن غزّة وأهمّيتها وأسمائها التاريخية ومعناها وأين كانت في العهود الغابرة، وأعقب ذلك بالحديث عن بناة غزّة الأقدمين: المعينيين والسبائيين والعويين والكفتاريين والعناقيين والمديانيين والأدوميين. ثم أتبع ذلك بالحديث عن غزّة في عهد الكنعانيين وعهد الفراعنة وعهد الهكسوس ثم غزّة والفلسطينيين وغزة وبني إسرائيل وغزة في عهد الآشوريين ثم غزة وبابل وغزة في عهد الفرس وغزة في عهد اليونان وغزة في عهد الأنباط ثم غزة وتدمر وغزة تحت سيطرة الرومان وغزة الوثنية وغزّة والدين المسيحي. وقد لفت المؤلّف النظر إلى أنّه كان لغزّة تقويم خاصّ يعرف بالتقويم الغزّي، وأورد أسماء شهوره مقارنة مع التقاويم الأخرى.
وفي حديثه عن غزّة في العهود الإسلامية تحدث المؤلّف عن غزة والفتح الإسلامي وغزة في عهد الدولة الطولونية ثم الإخشيدية ثم الفاطمية ثم السلجوقية ثم غزة في أيام الصليبيين ثم في عهد صلاح الدين ثم في عهد المماليك ثم في عهد الأتراك وتحدث عن غزة ونابليون وغزة وإبراهيم باشا.
ولم يغفل المؤلف وهو يتحدث عن غزّة في العهود الإسلامية الالتفات إلى من اشتهر في كلّ عهد من أعلام غزّة من العلماء والفقهاء والأدباء وغيرهم، ولم يفت المؤلف أن يقف عند الإمام الشافعي الذي ولد بغزة سنة (150هـ)، وهو القائل في الحنين إلى مسقط رأسه:
وإنّي لمشـــــــتاقٌ إلى أرْضِ غـــــــزّةٍ
وإنْ خــــــانني بعد التفرُّقِ كتــــــماني
سقى الله أرضاً لو ظفرتُ بتُرْبها
كحلْتُ به من شدّة الشوْقِ أجْفاني
وبعد حديثه عن غزّة والاحتلال الإنجليزي عرض المؤلّف لموضوع مهمّ تحت عنوان: السيّاح وجوّابو الأمصار بغزة، تناول فيه ما وصف به الرحّالة القدماء والمحدثون من العرب والمسلمين والأجانب غزّة، ومنهم المقدسي والإدريسي وابن بطوطة ومجير الدين الحنبلي وعبد الغني النابلسي وأعداد كبيرة من الرحّالة الأجانب، وكلّهم أشادوا بأهميّة غزّة وغناها وجمالها.
ومن أهمّ فصول هذا الكتاب الفصل الذي يحمل عنوان: غزّة في يومنا هذا، وهو فصلٌ مطوّل وغنيّ بالمعلومات ومفيد وممتع، ومن المعلومات التي أوردها المؤلّف أنّ غزّة خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) انخفض عدد سكانها الذي كان (42) ألفاً انخفاظاً مريعاً حتى أقفرت شوارعها إلاّ من الجند، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها أخذ الغزيون يرجعون إلى بلدهم، ويذكر المؤلف أن التهجير كان إجبارياً في أثناء الحرب حيث هجّر ثمانيةٌ وعشرون ألفاً منهم إلى حيفا ويافا وحمص وحماة، وبعد الحرب بقي منهم في حمص وحماة ثلاثة آلاف.
وفي هذا الفصل يتحدث المؤلّف عن أحياء غزّة (الدرج، التفاح، الزيتون، الشجاعية)، وعن مدارسها وعن أعداد التلاميذ والمعلمين وعن مدرسة المكفوفين، وعن مكتباتها ومبانيها ومؤسساتها وعن الأمراض التي تصيب سكّانها، وعن دكاكينها ومخازنها وفنادقها ومطاعمها وأفرانها ومطاحنها وأسواقها ومصانعها وشركاتها وأطبائها ومقابرها وحمّاماتها ومساجدها وآبارها وأمطارها ومزروعاتها وصادراتها وعدد أشجار زيتونها وأنواع أسماكها وقواربها ومراكبها ومطارها الذي أنشئ سنة 1927، وأسماء قراها البالغة ثلاثاً وخمسين قرية، وآثارها، وأعداد سكانها، واللغات التي يتحدث بها سكّانها، ومزاراتها، وتفاصيل أخرى كثيرة لا يجدها القارئ أو الباحث مجتمعة في كتاب واحد.
ومما يستحقّ الذكر أنّ لمؤلّف «تاريخ غزّة» مؤلّفات أخرى مهمّة منها كتابه «الموجز في تاريخ عسقلان» (طبع سنة 1943)، وهو متمّم لتاريخ غزّة.
Salahjarrar@hotmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-12-2024 11:10 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |