18-12-2024 08:15 AM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
اللغة هي الوعاء الأساس للتعبير عن الأفكار والمشاعر الإنسانية، ومن دونها يصبح التواصل الإنساني صعبًا ومعقدًا، ولئن كانت اللغة اختراعًا بشريًا فإنّ هذا الاختراع هو ما ارتقى بالإنسانية ليميزها عن باقي الكائنات، فاللغة لا تنمو ولا تتطور إلّا في الجماعات الكبيرة التي تبتكر لغتها الخاصة، وتعطي كلماتها الدلالات المطلوبة للأشياء التي يتوافق عليها أفراد هذه الجماعات.
من بين أهم سبع لغاتٍ في العالم، تبرز اللغة العربية كواحدة من هذه اللغات القديمة التي يتحدث بها ما يقرب من نصف مليار إنسان عبر العالم، والتي حافظت على كينونتها ووجودها لآلاف السنين، وفي زمان سبق، كانت العربية هي سيدة اللغات، وما يزال أثرها واضحا إلى اليوم في الفارسية والأوردية والعبرية، والتركية رغم تحولها في الكتابة من الأحرف العربية إلى اللاتينية، وتجد الكثير من كلماتها في الإنجليزية والإسبانية وغيرها من اللغات، إلّا أنّ تراجع الدور الحضاري أدى إلى تراجع العربية على المستوى العالمي.
التراجع في اللغة العربية لم يكن فقط على المستوى العالمي، إذ تبعه أيضًا تراجع في المستويات المحلية للشعوب الناطقة باللغة العربية، لحساب اللهجات المحلية، ولحساب لغات أخرى بدأت بالارتقاء، فصارت أسماء الكثير من المحلات التجارية والمقاهي وغيرها باللغة الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وصار ((تطعيم)) الحديث بمفردات من لغات أخرى يطفو كاستعراض على أنّ المتحدث بها يتقن هذه اللغات، إضافة إلى تراجع حاد في عدد المتمكنين من أساسيات اللغة العربية الحافظين لبنائها وكينونتها الأصلية.
هذا التراجع أبرز إلى السطح الحاجة الماسّة لحماية اللغة العربية، الأمر الذي دفع المشرّع الأردني بناءً على طلب الحريصين على وجود وبقاء اللغة، إلى إصدار تشريع خاص لحماية اللغة العربية فكان قانون حماية اللغة العربية رقم (35) لسنة 2015، هذا التشريع الذي فرض اللغة العربية كلغة علم وتدريس في المدارس والجامعات الأردنية، وفرض تعريب أسماء المحلات التجارية والمقاهي وغيرها بأن تكون باللغة العربية، لا بل إنّه قرر أن تكون مخاطبات ومراسلات واتفاقيات وإعلانات الوزارات والمؤسسات العامة الرسمية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني وحتى الشركات التجارية باللغة العربية، مرورا بالشوارع والساحات والحدائق العامة، وقرر عقوبات على مخالفة نصوص القانون.
المحزن في الأمر أنّه لا يوجد أدوات تنفيذية لتطبيق نصوص القانون، فحتى اللحظة لم يصدر أي نظام لهذا القانون لغايات تفعيله ووضعه موضع التنفيذ، كما أنّ اللجنة المنصوص عليها في القانون لم تمارس عملها منذ صدوره في العام 2015 وحتى اللحظة.
المأمول من الحكومة الجديدة بقيادة د.جعفر حسّان، والتي بدأت بخطى واثقة في الحصول على ثقة الأردنيين في الشهور الثلاثة الأولى من عمرها، وفي اليوم العالمي للاحتفال باللغة العربية (المقرر من الأمم المتحدة في الثامن عشر من كانون الأول من كل عام، وهو التاريخ الذي تقرر فيه اعتماد اللغة العربية كلغة من لغات الأمم المتحدة الرسمية سنة 1973) أن تعيد صياغة قانون حماية اللغة العربية بما يضمن تنفيذه و/أو إصدار الأنظمة الكفيلة بتطبيقه، دعمًا للغتنا الأم، ولتاريخنا الحضاري والإنساني وهويتنا العربية.
أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-12-2024 08:15 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |