21-12-2024 08:31 AM
بقلم : حاتم القرعان
لطالما كان مجلس النواب الأردني الجهة التشريعية والرقابية الأهم في نظامنا الديمقراطي، حاملاً على عاتقه مسؤولية مراقبة الأداء الحكومي وضمان نزاهة عمل مؤسسات الدولة. ومع هذه الصلاحيات الكبيرة، تأتي مسؤولية أكبر تتطلب الالتزام بأعلى معايير المهنية والاحترام في التعامل مع الجهات التنفيذية والرقابية، لما فيه مصلحة الوطن والمواطن.
ما حدث مؤخرًا بين اللجنة المالية في مجلس النواب وعطوفة أمين عام ديوان المحاسبة يثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين المؤسستين. بدلاً من أن تكون مناقشات اللجنة المالية حول الموازنة العامة وسيلة لتقويم الأداء وتصحيح المسار، تحولت إلى مواجهة بدا فيها الاستعراض والاستقواء على حساب المهنية والاحترام المتبادل.
ديوان المحاسبة، بصفته جهة رقابية مستقلة، يمثل صمام أمان لحماية المال العام وضمان الشفافية والمساءلة. دوره لا يقتصر فقط على كشف الأخطاء، بل يتعدى ذلك إلى تقديم توصيات تعزز النزاهة في إدارة المال العام. وبالتالي، فإن أي هجوم على هذه المؤسسة أو التقليل من دورها يُعد تقويضًا لإحدى الركائز الأساسية في نظامنا الإداري.
من البديهي أن يكون هناك تفاعل وتواصل دائم بين مجلس النواب وديوان المحاسبة، فالرقابة المالية تتطلب تعاونًا حقيقيًا بين الجهتين، وليس علاقة خصومة أو ندّية. إن تحسين أداء الدولة لا يتحقق إلا بتكامل الأدوار بين الجهات التشريعية والتنفيذية والرقابية، بحيث يعمل الجميع بروح الفريق الواحد لتحقيق المصلحة الوطنية.
ولكن ما ظهر من تصرفات اللجنة المالية يعكس خللًا في فهم دور الرقابة البرلمانية. إذ أن النقاش حول الموازنة العامة كان يجب أن يتركز على الجوانب الفنية والمالية، لا أن يتحول إلى منصة للتنمر على الموظفين العامين أو استعراض القوة. مثل هذه التصرفات لا تعكس حكمة أو نضجًا في التعامل، بل تسهم في إضعاف الثقة الشعبية بمجلس النواب.
على المجلس أن يدرك أن بناء الثقة مع الشعب الأردني لا يكون بفرد العضلات أو ممارسة ضغوط غير مبررة على المؤسسات الرقابية، بل بتقديم نموذج راقٍ في النقاش والحوار، وبالتركيز على القضايا الجوهرية التي تمس حياة المواطنين. فالناس يريدون من ممثليهم في المجلس أن يكونوا صوتًا للحكمة والعقلانية، لا طرفًا في سجالات جانبية تضيع فيها البوصلة.
العلاقة بين مجلس النواب وديوان المحاسبة يجب أن تكون علاقة شراكة حقيقية، قائمة على التكامل والتعاون. فالتحديات التي تواجه الأردن اليوم، من أزمات اقتصادية وتحديات تنموية، تتطلب من الجميع العمل بروح الفريق الواحد. إن التصادم بين الجهات الرقابية والتشريعية لا يخدم أحدًا، بل يزيد من تعقيد المشهد ويضعف الأداء العام للدولة.
في النهاية، المطلوب هو مراجعة جادة لأسلوب عمل لجان المجلس وطريقة تعاملها مع الجهات الأخرى. الحوار القائم على المعرفة والفهم المتبادل للأدوار هو السبيل الوحيد لتحقيق الشراكة الحقيقية بين مجلس النواب وديوان المحاسبة. علينا جميعًا أن نتذكر أن النجاح في تحقيق أهدافنا الوطنية الكبرى لا يتحقق إلا بالعمل المشترك، بعيدًا عن الصراعات التي تُضعف المؤسسات وتُهدر الطاقات.
حفظ الله الأردن وحفظ الله جلالة الملك عبدالله الثّاني بن الحسين وولي عهده الأمين.
بقلم: حاتم القرعان
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-12-2024 08:31 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |