22-12-2024 09:17 AM
بقلم : كامل النصيرات
إنّ فوضى اتّخاذ القرار الشخصي في عصرنا هذا كأنّها بئرٌ غامضةٌ تُلقي فيها حيرتَك فإذا بها ترتدُّ إليك مضاعفةً، مُتدثِّرةً بأثوابٍ من الوسواس وسَطوةِ القيلِ والقَال. وما أرى أنفسَنا إلا وقد ارتقينا قمّةَ الحيرة لنهتفَ في وضح النّهار: «هل هذا الخيارُ حقًّا خياري؟ أم أنّه وليدُ أهواءِ الموجِ الإلكترونيّ المتلاطم؟».
أفتراهُنّ النّصائحُ التي تُلقى إلينا من كلّ صوبٍ تُذكِّرنا بعهدِ الأُذنِ الأبويّةِ تُرشدنا: «لا تُسرِعْ في قرارِك؛ لعلّك تهلك»، أم إنّها عقدةٌ نفسيةٌ نتوارَثها تُثني عزمَنا وقت نُريد عبورَ عَتَباتِ المبادرة؟ فما بين آراءٍ منمّقةٍ تُزيّنُ لنا طَعمَ المُغامرة، وصوتٍ داخليٍّ يستصرخنا أن نلتزمَ حبالَ الأمان؛ نكتشف أنّ عقولَنا صارت حدائقَ مُشتتة، فيها من شجرِ الخوفِ ما يمتدّ ظِلُّه فوق رغباتنا الطريّة.
ومَن ذا الذي لم يُجرّب تلك الطقوسَ الغريبةَ في اتّخاذ القرار، حيث نرسمُ الجداول ونُشيّدُ القوائمَ ثمّ نغرقُ في دوّامةِ «ماذا لو»؟ وننسى أنّنا بين حَدَّيْ الأملِ والخوف، نصنعُ من الحِيرة جسرًا مُتهالكًا نعبرُ به نحو سرابٍ قد لا يَظهر لنا إلا بعد فوات الأوان.
ولعَمري ، إنّ المرء في زماننا يركضُ وراءَ الدّقائق تارةً، وينطُّ فوق ما تبقّى من المنطق تارةً أخرى، ظنًّا منه أنّه سيستنزفُ كلّ الاحتمالات في رحلةِ القرار. وما تلبثُ تلك الرّحلةُ أن تصيرَ أشبه بِمُزايدةٍ في سوقٍ مُكتظٍّ بالصّيحاتِ والمتاهات: «خذ هذا الخيار فهو أنسبُ»، «اعبُر ذاك الطّريق فهو أقربُ». وبين هذا وذاك؛ يضيعُ فينا ميزانُ القلب والرّوح.
فإذا أردتَ النّجاة من هذا الدّوران المدوّخ يا صديقي، فلا تنسَ أنّ القرارَ المنبثقَ من الدّاخلِ أدفأ من مقاطعِ اليوتيوب. إذ يبقى صوتُ فطرةِ الإنسان الرّهيفة أصدقَ وأصوبَ من كلّ مشورةٍ تلبسُ أثوابَ الحكمة المزعومة. فاخرج من تلك الدّوامةِ بخُطى واثقةٍ، واستأنسْ بإحساسك أوّلًا، ثمّ دع لكلّ رأيٍ مكانه؛ عسى أن تنقشع سحائبُ الحيرة ويُشرق في نفسك القرارُ الذي تتبنّاه دونَ نَدمٍ أو تأنيبٍ أو ضياع.
الدستور
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-12-2024 09:17 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |