24-12-2024 08:28 AM
بقلم : تمارا خزوز
«إسرائيل تعمل إستراتيجياً، ونحن نعمل تكتيكياً.» هذا الاقتباس الذي ورد على لسان باحث فلسطيني في إحدى الجلسات المغلقة التي حضرتها مؤخراً يُلخّص، برأيي، جوهر إشكالية إدارة الصراع العربي-الإسرائيلي.
العمل بشكل إستراتيجي يتطلّب إيجاد آليات لتعزيز صمود المجتمعات وزيادة مرونتها لمواجهة ما هو قادم، وحتى محاولة الالتفاف على ما يمكن أن يُطرح أو يُفرض علينا مستقبلاً. بينما ما نقوم به حاليا هو الانشغال إلى درجة الاجترار بتحليل سياسة الإدارة الأميركية الجديدة في المنطقة، أو محاولة التنبؤ بما يدور في جعبة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من مفاجآت. والأجدر أن يُترك هذا كله لمستويات السياسة العليا في الدولة والمراكز البحثية والأكاديمية.
ليس المقصود في هذا الطرح الانتقاص من أهمية انخراط المجتمع في تحليل وتفسير ما يحدث، بل هو بمثابة اقتراح توزيع الأدوار وكسب الوقت والتفكير بإستراتيجية تهدف إلى تمتين الجبهة الداخلية ودعم الموقف الأردني الرسمي على مستوى السياسات الخارجية.
المعطيات التي أمامنا تقول إننا أمام معادلة مليئة بالمتغيرات وحبلى بالمفاجآت، فماذا نحتاج أكثر من زلزال جيوسياسي بحجم 7 أكتوبر وتصدعات هزات سياسية مرتدة بحجم ما حدث في إيران ولبنان والعراق واليمن وسورية مؤخراً، لتفعيل خاصية «الطوارئ» في الاستجابة والتخطيط والعمل؟
تفعيل هذه الخاصية يحتاج إلى «تَوّقع غير المتوَّقع» (expecting the unexpected) والانتقال من الذهنية التفاعلية التي هي أقرب إلى «ردة الفعل» إلى الذهنية الاستباقية عن طريق «المبادرة بالفعل» في صناعة الأحداث، وهو ما تقوم به فعلاً دول حجزت لها مقاعد في الصفوف الأمامية لصياغة الأحداث في الإقليم كتركيا والأشقاء في الخليج.
الاستباقية «المبادرة بالفعل» على المستوى المحلي تعني تحقيق اختراقات إصلاحية وإنجاز الملفات العالقة، كالتحديث السياسي والاقتصادي والإداري بأسرع وقت ممكن، والانتباه أننا لا نستطيع تحمل كلفة الإخفاق أو التعنت أو سوء الإدارة، لأن ذلك ينتج مزيداً من انعدام الثقة بالمؤسسات.
الاختراقات الإصلاحية مطلوبة أيضا لثبات المؤسسات الوطنية وتقويتها من خلال محاربة الفساد والمحسوبية والحمولة الزائدة، وتطوير البنية التحتية تقنياً وبشرياً. وهذا يحتاج إلى جهد استثنائي من قبل المؤسسات المعنية والأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان لاستعادة هيبة المجلس وتعزيز التمثيل السياسي والشعبي للمواطنين. كما يحتاج إلى الارتقاء الفوري بمستوى الخطاب والأداء، والابتعاد عن الاستعراض والشعبوية التي ما زالت حاضرة بقوة، وتفعيل أدوات الرقابة البرلمانية الدستورية، من أجل ترسيخ الأعراف والتقاليد البرلمانية.
وبينما تتطلب الإصلاحات السياسية والإدارية في البلاد جهودًا استثنائية لتمتين المؤسسات الوطنية وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فإن هذه الإصلاحات لا تكتمل دون معالجة القضايا الفكرية والسياسية التي تمس تكوين المجتمع. ومن هنا، يظهر ضرورة فتح ملف الإسلام السياسي بشكل جاد ومسؤول، لا كجزء من المواجهة، بل كجزء من تعزيز قيم المواطنة وحماية الحريات الشخصية، وضمان التوازن السياسي والاجتماعي في ظل التحديات الإقليمية المتصاعدة. وهذا الأمر لن يستوي دون مراجعة ملف الحريات والاعتقالات الإدارية، بما يشبه مصالحة وطنية ومبادرة لتعزز من لحمة النسيج الوطني، وتغلق الباب أمام أي منفذ لأي مؤامرة ومطامع خارجية ممكن أن تضرب النسيج الوطني.
العمل في المرحلة المقبلة يأتي في سياقات صعبة وحساسة، مما يتطلب أن يكون التفكير الإستراتيجي على مستوى عالٍ. التحضير لما هو قادم هو ثقافة أردنية قديمة اجتماعية بامتياز ومن لا يعلم ليسأل عن «بيت المونة»!
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
24-12-2024 08:28 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |