28-12-2024 01:09 PM
بقلم : د.نشأت العزب
يُعد أي نظام اقتصادي هو انعكاس مباشر للفلسفة والقيم التي يحملها المجتمع، فإذا كانت هذه القيم قائمة على الجشع والمنافسة المطلقة فإن النتيجة تكون نظامًا اقتصاديًا يعزز اللامساواة ويضعف الأواصر الاجتماعية، ويدمر البيئة، أما إذا كانت القيم المؤسسة قائمة على التعاون، العدالة والتكافل فإن الاقتصاد يصبح وسيلة لبناء مجتمع متوازن ومستدام.
في هذا العالم المضطرب نحن بحاجة إلى مشروع يعيد صياغة الاقتصاد بوصفه نشاطًا إنسانيًا موجهًا نحو تحقيق الخير العام وليس مجرد أداة لتحقيق الربح الفردي، هذا النوع من المشاريع لا يجعل القيم الأخلاقية في صميم العملية الاقتصادية فحسب بل يجعلها ركيزة من ركائزها، مع التركيز على تعزيز الشفافية وتوجيه الموارد نحو تحقيق الفائدة للجميع.
منذ فجر الحضارة كان الإنسان يدرك أن الاقتصاد لا يمكن أن ينفصل عن الأخلاق، حتى ان الفلاسفة مثل أرسطو تحدثوا عن أهمية الاعتدال والعدالة في الحياة الاقتصادية، ولكن مع ظهور الاقتصاد الرأسمالي الحديث، تراجعت هذه المبادئ الأخلاقية لصالح السعي المحموم وراء الثروة مما خلق هذا الانفصال بين الأخلاق والاقتصاد والذي ادى بدوره إلى أزمات أخلاقية واجتماعية عميقة، فأصبحنا اليوم بحاجة ليس فقط إلى ترميم العلاقة بين الأخلاق والاقتصاد، بل إلى دمجهما بشكل لا ينقسم وهذا يتطلب منظومة جديدة تقوم على تعزيز القيم الإنسانية، مثل الصدق، والنزاهة، والشفافية، والتعاون.
في المنظومة الاقتصادية الحالية غالبًا ما يشعر الفرد بأنه مجرد قطعة صغيرة في آلة ضخمة لا يتحكم فيها و لا يدرك موقعه و دوره فيها، ومع ذلك فإن المشاريع الجديدة التي تُعيد للفرد دوره المحوري في الاقتصاد الأخلاقي يمكن أن تعيد تعريف علاقته بالنظام الاقتصادي، فعندما يصبح الإنسان قادرًا على رؤية أثر أفعاله الاقتصادية بشكل مباشر في مجتمعه و تصبح سلوكه مصدر دخل له، فإنه سيصبح أكثر وعيًا بمسؤولياته تجاه الآخرين وتجاه البيئة، و هذا يتطلب إعادة التفكير في مفهوم “القيمة” الاقتصادية، فبدلاً من قياس القيمة بالمعايير المادية فقط، يمكننا اعتماد معايير جديدة تُقيّم الأثر الإيجابي للنشاط الاقتصادي على المجتمع والبيئة.
أن إعادة صياغة الاقتصاد بمنظور أخلاقي ليس مجرد فكرة ثانوية، بل هو ضرورة ملحة في مواجهة الأزمات المتعددة التي يمر بها العالم اليوم، هذه الأزمات ليست فقط أزمات مادية، بل هي أيضًا أزمات روحية وأخلاقية تتطلب منا التفكير في الاقتصاد بوصفه امتدادًا لطبيعتنا البشرية، ان منصة غايا يمكن أن تعيد للإنسان دوره المركزي في النظام الاقتصادي، وتضع القيم الأخلاقية في صميم العملية الاقتصادية، إنّها دعوة لإعادة صياغة العلاقة بين الاقتصاد والإنسان، بحيث تصبح أداة للتحرر والازدهار، لا قيدًا يحد من إمكانياتنا كبشر.
تحتاج البشرية اليوم منصة تربط الواقع الذي نعيش بالواقع الافتراضي من خلال منظومة رقمية تؤثر و تتأثر فيه، و ذلك كفيل بأن نعيد صياغة فهمنا للاقتصاد و نعيد التوازن بين القيمة المادية و الحاجة البشرية، ان منصة غايا هي مشروع اقتصادي يعيد للإنسان قيمته كغاية ويرسم ملامح عالم يكون فيه الاقتصاد انعكاسًا لجوهرنا الإنساني وأخلاقنا المشتركة، منصة تجعل من كوكبنا الام بيت في كامل التناغم بين الانسان و كافة مكونات الطبيعة، فلنجعل كوكبنا "غايا" التي ترمز في الأساطير الإغريقية إلى الأرض ككائن حي ينبض بالحياة، و تمثل رؤية متكاملة لتحقيق توازن بين الإنسان والطبيعة عبر قيم الخير والتعاون،ان حاجتنا اليوم لمنصة بفلسفة اقتصادية اخلاقية تنطلق من إيمان بأن الإنسان هو مركز الإدراك والحضارة وأن الاقتصاد يجب أن يكون انعكاسًا للأخلاق والقيم الإنسانية، فلنسعى إلى إنشاء نظام اقتصادي أخلاقي يُعيد بناء الثقة، ويضع النشاط الخيري في صدارة معايير النجاح، محققًا رؤية تُوازن بين احتياجات الفرد ومسؤولياته تجاه المجتمع والبيئة، إن منصة الاقتصاد الأخلاقي ليست مجرد منصة رقمية، بل هي دعوة لتبني فلسفة جديدة تجعل الخير محور الاقتصاد، وتعيد للأرض والإنسان قيمتهما الحقيقية.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-12-2024 01:09 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |