30-12-2024 08:24 AM
بقلم : د. ليث عبدالله القهيوي
مع تصاعد التحركات الدبلوماسية في المنطقة، تبرز العلاقات الأردنية السورية كملف حيوي يحتمل تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية عميقة. إن زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق، بالتزامن مع زيارات أخرى رفيعة المستوى من دول مؤثرة كقطر وتركيا، تعكس اهتمامًا إقليميًا ودوليًا متزايدًا بسورية ما بعد الحرب مما يشير إلى سباق على إعادة تحديد النفوذ في سورية ما بعد الحرب، والأردن يدرك أنه لا يمكنه البقاء على الهامش في ظل هذا التنافس، ويسعى لتثبيت دوره كفاعل إقليمي مؤثر و تثبيت دوره الاستراتيجي في رسم ملامح المرحلة القادمة.
الأردن وسورية يشتركان في حدود جغرافية طويلة وتاريخ من التداخل الاجتماعي والاقتصادي. هذه الحدود لطالما كانت شريانًا للتجارة والحركة البشرية، لكنها تحولت خلال العقد الماضي إلى مصدر للتحديات الأمنية والاقتصادية. ملف تهريب المخدرات والأسلحة، الذي تمت الإشارة إليه خلال زيارة الصفدي، يمثل أحد أبرز هذه التحديات. لكن، وفق التحليلات، يبدو أن رحيل العديد من الشخصيات المؤثرة في النظام السوري السابق قد أسهم في تقليل حدته، مما يفتح المجال أمام استثمار أوسع في ملفات أخرى.
الزيارة الأردنية جاءت في وقت حساس، إذ تحاول دول كبرى ودول الجوار تحديد موقفها من الإدارة السورية الجديدة وان توجيهات جلالة الملك لعقد هذه الزيارة تحمل في طياتها رؤية استباقية، تهدف إلى استكشاف فرص التعاون وإعادة ضبط العلاقات بما يتماشى مع السيناريوهات الإقليمية المقبلة وأن عمان تمتلك أفضلية جغرافية وعلاقات تاريخية أكثر عمقًا مع سورية مقارنة بدول المنطقة.
اقتصاديًا، تشكل سورية عمقًا استراتيجيًا للأردن. في عام 2011، بلغت تجارة الترانزيت وحدها بين البلدين 700 مليون دولار، إضافة إلى تبادل تجاري تجاوز 600 مليون دولار، هذه الأرقام تشير إلى الإمكانيات الضخمة لإعادة بناء العلاقات الاقتصادية، خصوصًا إذا أُعيد تفعيل معابر رئيسية مثل معبر باب الهوى. لكن السؤال الأهم هو: هل طُرحت هذه الملفات الحيوية خلال الزيارة؟
الأردن، الذي استطاع تاريخيًا الصمود أمام ضغوطات النظام السوري السابق، يمتلك اليوم فرصة للعب دور محوري في إعادة إعمار سورية وتعزيز استقرارها، والعلاقات الوثيقة بين العشائر الأردنية والسورية، إضافة إلى الثقة الشعبية السورية بالنظام الملكي الأردني، تمنح عمان فرصة ذهبية للعودة إلى المشهد السوري كفاعل رئيسي، لكن ذلك يتطلب تخطيطًا استراتيجيًا وتنسيقًا أكثر عمقًا بين الجهات الأمنية والاقتصادية.
ورغم أن العلاقات بين البلدين شهدت توترات كبيرة في الماضي، إلا أن السياسة الأردنية أثبتت مرونتها وذكاءها في التعامل مع التحديات، رؤية الأردن الآن تركز على تحويل التحديات إلى فرص، والتحركات الدبلوماسية الأردنية تجاه سورية يجب أن تخرج من إطار الاستكشاف إلى إطار البناء الفعلي لعلاقات استراتيجية تُسهم في تحقيق مصالح الطرفين، فالعلاقات الأردنية السورية تتأثر بشكل مباشر بالتحولات الجيوسياسية والاستراتيجية في المنطقة، حيث تُعتبر سورية نقطة تقاطع حيوية بين المصالح الدولية والإقليمية.
إن التحديات الأمنية هي المحرك الرئيسي للتوجه الأردني نحو سورية، قضايا مثل تهريب المخدرات والأسلحة عبر الحدود المشتركة التي تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الوطني الأردني والتعاون الأمني يحتاج إلى تعزيز باعتباره أساسًا لأي شراكة مستقبلية.
إعادة العلاقات الأردنية السورية تمثل فرصة اقتصادية كبيرة لكلا البلدين، الأرقام الواردة في المقال توضح حجم التجارة والتكامل الاقتصادي الذي كان قائمًا قبل الأزمة السورية، والأردن، الذي يعاني من تحديات اقتصادية داخلية، يمكن أن يستفيد من سورية كعمق اقتصادي استراتيجي عبر تفعيل معابر حدودية وإحياء تجارة الترانزيت، هذه الخطوة تتطلب تفاهمات طويلة الأجل تأخذ بعين الاعتبار التحديات السياسية والأمنية.
الأمن المائي يُعتبر من القضايا المصيرية التي قد تفرض نفسها على طاولة المفاوضات، فسيطرة إسرائيل على منابع المياه في المنطقة تجعل من التعاون السوري الأردني ضرورة استراتيجية، ليس فقط لحماية حقوق البلدين المائية، بل أيضًا لضمان استقرار إمدادات المياه وسط تغيرات مناخية متزايدة، فسيطرة إسرائيل على منابع المياه في جبل الشيخ ونهر اليرموك تشكل تهديدًا مستقبليًا للأردن وسورية، ومن الضروري أن يتم التطرق إلى هذا الملف في أي حوار ثنائي، لما له من انعكاسات استراتيجية على الأمن المائي للبلدين.
عمان تحتاج إلى استراتيجية متوازنة تراعي موقفها الداخلي والعلاقات مع حلفائها الإقليميين والدوليين، في ظل التغيرات في النظام السوري، ولدى الأردن فرصة لتوظيف العلاقات الشعبية بين عشائره والعشائر السورية لتعزيز الاستقرار وبناء شراكات قائمة على المصالح المشتركة.
ختامًا، تعكس زيارة الصفدي بداية محتملة لمرحلة جديدة من العلاقات الأردنية السورية، لكنها أيضًا اختبار لرؤية الأردن في استباق الأحداث واستثمار الفرص، في ظل التحركات الإقليمية والدولية المكثفة، ويتعين على الأردن أن يُظهر مرونة أكبر واستعدادًا للتعاون العميق، ليس فقط مع سورية، بل مع الأطراف الإقليمية الأخرى، ليضمن موقعًا رياديًا في صياغة مستقبل المنطقة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-12-2024 08:24 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |