حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,3 يناير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2514

تاريخ العنف البشري ودوافعه الكامنة (٢-٢)

تاريخ العنف البشري ودوافعه الكامنة (٢-٢)

تاريخ العنف البشري ودوافعه الكامنة (٢-٢)

30-12-2024 08:50 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : سارة طالب السهيل
بلغت انماط العنف ذروتها في العصر النحاسي (حوالي 4500 ق.م إلى 3300 ق.م)، كما يتضح من الجماجم المكسورة والجروح الناجمة عن الأسلحة، ثم تراجعت في أوائل/منتصف العصر البرونزي (3300 ق. مالي 1500 ق.م)، وفق الباحثين.

ويرى الباحثون أن ظهور الحكومات المركزية وتطور الأنظمة القانونية أدى دورًا محوريًّا في الحد من الصراعات، وتشير النتائج أيضًا إلى توسع شبكات التجارة باعتبارها بلسمًا للعنف في المنطقة.

كما يشير الباحثون إلى أن التعاون الاقتصادي بين المدن والولايات كان من الممكن أن يعزز التفاعلات الثقافية، ويمنح حافزًا اقتصاديًّا للحفاظ على السلام. وارتفع العنف أواخر العصر البرونزي إلى العصر الحديدي (1500 ق.م إلى 400 ق.م)، ثم بدا أنه يتأرجح بين فترات السلام النسبي والاضطرابات.

يقدم كولن ولسون تفسيرا للعنف البشري ينطلق من كوامن نفسية، في كتابه الشهير التاريخ الإجرامي للجنس البشري نفسية العنف

يشير الكتاب إلى أن التاريخ البشري كان مليئا بالجرائم، ولكنه أيضا مليء بالإبداع، ورغم وجود احتمالية انقراض الجنس البشري بسبب حادث نووي، إلا أن الفهم الجيد للتاريخ يجعل هذا الاحتمال ضعيفا. ويطرح الكاتب سؤالًا حول مدى تفوق الإبداع والذكاء على الجريمة في فهم طبيعة الإنسانية.

فالتاريخ البشري المسجل منذ عام 2500 ق.م يحتوي على قدر متواصل من العنف والقتل وإراقة الدماء.

وذكاء البشر نتج عنه بعض الجنوح وعدم التوازن، ونتجت عنه مخاوف ضيقة دفعته إلى حسابات مستمرة وقسوة متحجرة بلا رحمة تلك القسوة هي التي تدفع إلى انتهاج الطرق المختصرة لتحقيق الرغبات أي ارتكاب الجرائم.

وعلى ذلك، نجد أن أسوأ الجرائم لا يرتكبها الحمقى والأغبياء، بل يرتكبها المتحضرون الأذكياء باتخاذهم قرارات يوفرون لها المبررات والدوافع الكافية.

يذهب المؤلف إلى أن الدافع الإجرامي ليس نتاجا لفعل الشر، بقدر ما هو مركب طفولي وميل طفولي بدافع الاستسهال والاختصار، فكل جريمة تنطوي على ذات طبيعة تتسم بالتدمير وانتزاع شيء والاستيلاء عليه بلا استحقاق، فالقوة والعنف للإغارة هي نزعة للحصول على شيء مقابل لا شيء، فاللص يسرق ما يريد بدلا من العمل للحصول على ما يريد.

يخلص كولن ولسون في كتابه إلى أن الجريمة (ابنة الحضارة والتقدم وضريبتها) وكلما ازددنا تقدما؛ ارتفعت نسبة الإجرام مستدلا بقياس نسبة انتشار الجريمة ونوعيتها، مقارنة مع تطور الجنس البشري عبر التاريخ، ويعرض لنظرية هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية.

ويرى أن الجرائم عبر التاريخ تتوافق مع ترتيب حاجات الإنسان وفق هرم ماسلو، ففي البدء كان القتل لتأمين المأكل والمشرب في العصور البدائية لينتهي في القرن العشرين إلى غاية تحقيق الذات، فالقتل مقصود بذاته، وليس هناك من دافع وراء سبب قتل إنسان لآخر سوى رغبة القاتل في تحقيق ذاته، وليثبت لنفسه أنه قادر على القتل، وليحظى باهتمام ولفت أنظار المجتمع إليه، هنا يشعر بالرضى النفسي، ويسهب في شرح تفاصيل جريمته عندما يقبض عليه، ليزيد جرعة إبهار الآخرين بعبقريته الإجرامية تماما كما فعل بن زارم أحد أشد السفاحين قسوة في القرن ?لعشرين (والذي قتل ٢٠ شخصا من بينهم أطفال بعد أن اعتدى عليهم) وكتب تفاصيل جرائمه في كتاب سيرته الذاتية، ولم يكن يشعر بالأسف، ولا بأي رغبة في تغييره نهجهالاجرامي، بل كان يتوعد هيئة المحلفين بأنه سيقتلهم إذا سنحت له الفرصة!

كما تفسر إحدى النظريات دوافع الإجرام، إلى حالة الانقطاع عن الواقع، التي يعيشها القاتل، حيث يغوص في عالمه الذاتي، ويفقد الشعور بالمجتمع، ويشعر بأن أفكاره أمر مبرر ومشروع وهي المرجعية الوحيدة التي يستمد منها منهجه في الحياة، ووحدها من تملك مشروعية التطبيق، كما أورد (ولسون) في كتابه نظرية الرجل الصائب، وهو الشخص الدوغمائي، الذي يفترض أنه على حق وصواب دائم، ولا يطوله الخطأ، وأن يقبل النقد والتوجيه، ولتطبيق أفكاره لا بأس من ارتكاب جريمة أو قتل وتذويب اجساد الضحايا بحامض كيمائي مركب، وقد يكون الشخص الصائب من ذوي?النزعة السادية العالية، فيمارس سلطة على من هو أضعف منه، تماما كما يحدث في التنويم المغناطيسي، فيورطهم معه بجرائمه.

يوضح لنا الكتاب، إن الواقع الإجرامي هو عقدة طفولية تتغير اختصار المسافات والوقت وادخار الطاقة الذاتية، وكل جريمة تكون خلفيتها التدمير والاغتصاب وانتزاع والاستيلاء على شيء بشكل غير عادل؛ باستعمال القوة والقهر والخدعة والمكيدة والاختلاء والغدر والإغارة والعنف، إنها نزوع إلى الحصول على شيء أو تحقيق تغيير في الواقع المادي ذي الاتصال بالأشخاص وبدون مقابل.

فهل يقود الإنسان نفسه إلى دماره القادم من داخله؟

بموجب ذلك، فان احتمال دمار الإنسان من داخله أقوى من احتمال انتشار الفهم بأن للبشر القدرة على التطور بالذكاء.

هذا الكتاب بالفعل استشرف مستقبل السلوك البشري الإجرامي، فما نشاهده من تطور الجريمة بات أمراً يفوق تصوراتنا العقلية وجوامح خيالنا، وبالفعل استخدم الإنسان ذكاءه في تدمير البشرية وليس حمايتها.


الراي











طباعة
  • المشاهدات: 2514
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
30-12-2024 08:50 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تتحمل إيران مسؤولية "نشر الفوضى وتأجيج الفتن" في سوريا كما تتهمها جامعة الدول العربية رغم نفي طهران؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم