01-01-2025 08:38 AM
سرايا - في عالم الأدب والفكر، لا تقتصر أهمية الكلمات على كونها مجرد وسيلة للتعبير، بل هي أدوات لفتح أبواب جديدة للحرية والوعي. ومن هنا، فإن تأسيس رابطة الكتاب الأردنيين في عام 1974 لم يكن مجرد خطوة تنظيمية، بل كان بمثابة ولادة كيان ثقافي حيّ يعكس التزام المثقفين الأردنيين بقضاياهم الوطنية والفكرية. كتاب «ذاكرة الياسمين: مسيرة رابطة الكتاب الأردنيين» لمعده محمد المشايخ يأتي ليُوثِّق هذا التاريخ الطويل من العطاء الفكري والأدبي الذي امتد لأكثر من خمسة عقود.
النشأة والبدايات:
تأسست رابطة الكتاب الأردنيين في عام 1974 في ظل واقع سياسي واجتماعي كان يشهد تغييرات متسارعة في المملكة. آنذاك، كانت الحركة الأدبية بحاجة إلى كيان ثقافي مستقل يمكنه أن يوفر مساحات للتعبير عن الرؤى والأفكار بعيدًا عن القيود. لم تكن الرابطة مجرد جمعية أدبية؛ بل كانت ضرورة ثقافية أملتها الظروف، وكانت أولى خطواتها في بناء جسر من التواصل بين الكتاب الأردنيين من جهة، وبين العالم العربي من جهة أخرى. وقد ساهمت هذه الرابطة في تعزيز مكانة الأدب الأردني على الصعيدين المحلي والعربي، حيث أضحت بمثابة منصة للمبدعين والشعراء لتبادل الأفكار والرؤى، ورسم ملامح هوية أدبية خاصة بالأردن.
الرابطة في محطات الزمن:
منذ نشأتها، واجهت رابطة الكتاب الأردنيين تحديات عدة، كان أبرزها الرقابة على حرية التعبير والمواقف السياسية التي تخللت فترات عديدة في تاريخ الأردن. ومع ذلك، تمكنت الرابطة من الحفاظ على استقلاليتها الأدبية، حيث كانت تمثل الصوت المستقل الذي يعبر عن القضايا الوطنية، وتدافع عن حقوق الكتاب في التعبير عن آرائهم وأفكارهم بحرية. الكتاب، في طياته، يرصد تلك التحديات ويقدم تحليلاً عميقًا لدور الرابطة في حماية هذا الحق، ويستعرض أيضًا كيفية تجاوزها لهذه العقبات.
الدور الثقافي والتأثير على الحياة الفكرية:
تسهم رابطة الكتاب الأردنيين في تعزيز الثقافة الوطنية، وتجسد دورًا كبيرًا في المشهد الأدبي الأردني. من خلال المؤتمرات الأدبية، والفعاليات الثقافية، والنقاشات الفكرية، استمرت الرابطة في تقديم منصات حوارية ساعدت في إثراء الثقافة الأردنية والعربية. فقد كانت بمثابة ملتقى للأدباء العرب والأردنيين على حد سواء، تجمعهم هموم مشتركة وتطرح أمامهم قضايا اجتماعية وسياسية وثقافية ساخنة، الأمر الذي جعلها قوة مؤثرة في المجال الثقافي.
كان لهذا الدور الثقافي أثر كبير في تعريف الجمهور الأردني بأدباء وأعمال جديدة، ما أسهم في بناء حركة أدبية متجددة تواكب التغيرات الفكرية والإنسانية. كما أن الرابطة كانت في طليعة الحركات التي دافعت عن حقوق الأدباء في التعبير عن أنفسهم، ودفعت إلى إشراك الكُتاب في الحياة السياسية والثقافية للأردن.
الشخصيات المؤثرة في الرابطة:
لا يمكن الحديث عن مسيرة رابطة الكتاب الأردنيين دون الإشارة إلى الشخصيات التي كانت لها بصمات واضحة في تأسيسها واستمرار نجاحها. فقد ضمت الرابطة منذ بداياتها أسماء لامعة في مجال الأدب والشعر والفكر، أمثال سليمان الموسى، وعبد الرحيم عمر، وآخرين لا يتسع المجال لذكرهم ممن كانوا أصحاب أقلام حرة تؤمن بالكلمة وتضعها في مواجهة كل التحديات. هؤلاء الأعلام لم يقتصر دورهم على الكتابة والإبداع فقط، بل كان لهم أيضًا تأثير في صياغة هوية ثقافية للأردن، بما يتوافق مع تطلعات المجتمع الأردني والعربي في تلك المرحلة.
وقد نحت الرابطة مسارًا خاصًا في كل مرحلة من مراحل تطورها، فقد كانت تتحول وتتكيف مع التغيرات السياسية والاقتصادية التي يشهدها الأردن، فتمر بأوقات من المد والجزر، وتواجه تحديات تتعلق بحرية التعبير والرأي، لكنها بقيت صامدة في الدفاع عن مبادئها.
التوثيق والتحليل النقدي:
«ذاكرة الياسمين» هو كتاب أكثر من مجرد سرد تاريخي، فهو توثيق نقدي عميق لمسيرة رابطة الكتاب الأردنيين طوال نصف قرن. اعتمد المؤلف محمد المشايخ على مصادر متنوعة، من مقاطع أرشيفية، ومقابلات مع الأعضاء المؤسسين، وأدوات تحليلية تُظهر كيف نجحت الرابطة في تأسيس قاعدة ثقافية صلبة رغم الظروف الصعبة. الكتاب لا يكتفي فقط بسرد الوقائع التاريخية، بل يتناولها بعمق نقدي يعكس التحولات الأدبية والسياسية التي كانت تحدث في الأردن والعالم العربي. ومن خلال هذا التحليل، يعرض لنا المشايخ كيف كانت الرابطة تمثل نقطة انطلاق جديدة للكتابة والحرية في هذا العصر.
أسلوب الكتابة ومتانة الإبداع:
أجاد محمد المشايخ في تقديم المادة التاريخية بأسلوب ممتع ورشيق، يتنقل بين الأحداث والشخصيات بلغة سلسة وقوية. لقد استخدم أسلوبًا أدبيًا يجذب القارئ ويجعله يعيش تلك اللحظات التاريخية المهمة، حيث يمزج بين السرد الروائي والتحليل النقدي. أسلوبه يعكس إلمامه العميق بالثقافة الأردنية والعربية، ويجعل القارئ يكتشف الحقائق التاريخية بشغف، ويشعر وكأنه جزء من تلك المرحلة المهمة من تاريخ الأدب الأردني.
يُعتبر «ذاكرة الياسمين: مسيرة رابطة الكتاب الأردنيين» كتابًا ضروريًا لكل من يسعى لفهم تاريخ الأدب الأردني والعربي بشكل أعمق. إنه ليس مجرد سرد تاريخي لحدث أو مجموعة أحداث، بل هو شهادة حية على الدور المحوري الذي لعبته الرابطة في تعزيز الفكر والثقافة في الأردن. الكتاب، بحمولته التاريخية والنقدية، يفتح أمامنا نافذة لرؤية التغيرات الثقافية والفكرية التي شهدها الأردن خلال خمسين عامًا، ويذكرنا بأن الأدب ليس مجرد كلمات، بل هو نضال مستمر في سبيل الحرية والكرامة الإنسانية.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-01-2025 08:38 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |