25-03-2008 05:00 PM
قيمة الحياة في حضرة الموت ماذا يمكن ان يفعل المرء اذا ما علم فجأة انه ليس سوى ايام قليلة تفصله عن التراب، هذا ما كان ينتظر آن (سارة بولي) بطلة الفيلم الاسباني الكندي (حياتي من دوني) انتاج 2003. اخر ما كان من الممكن ان يخطر ببال آن ابنة الثالثة والعشرين المحبة لزوجها وطفلتيها انها مصابة بالسرطان وانها ستواجه الموت قريبا... لكل ردة فعله الخاصة ازاء ذلك، قد تتقاطع مع احدنا، وقد لا تكون سوى مسوغا لنا كي نتأمل الحياة واللحظات التي يفوتنا الاستمتاع بها، هذا ما كانت ترغب (ايزابيل كويزت) مخرجة الفيلم ان نختبره من خلال تجربة آن، فمنذ البداية الشعرية للفيلم وبلقطات قريبة ل آن تضعنا على مسافة حميمة منها ومن عالمها، وهي تغمض عينيها تحت المطر المنهمر عليها بغزارة، ونتلصص على ما تُحدّث به نفسها وهي تتأمل؛ صوت المطر الذي يهطل ملامسا الاوراق وجسدها، وتختبر ملمس الارض التي تلين تحت قدميها، الرائحة...، انها المرة الاولى التي تمنح آن لنفسها حق الاستمتاع بحواسها، وهي غير مصدقة انها هي هذه المرأة التي تقف الان تحت المطر مطلقة لحواسها العنان، "من كان ليصدق هذا... هذه انت!" هكذا تحدث نفسها. انت وحيدة ما الذي يلزم المرء كي يدرك اهمية كل لحظة في حياته وليستمتع بجمالها، لربما وحده الموت القادر ان يشعره بذلك، وبان الحياة ثمينة وهناك مساحات من الرغبة والمعرفة لا زالت مجهولة، يشتهي ان يتوقف الزمن كي يكتشفها، هذا حال آن وقد اخبرها الطبيب بحالتها، انتابها مزيج من المشاعر، وحدة، ألم، ورغبة في المغامرة واكتشاف ما فاتها من متعة وبهجة، وكل ما لم تترك اعباء الحياة وقتا لفعله، فها هي تدون كل ما يجب ان لا يفوتها... تختزل وتكثف كل ما عليها فعله قبل ان تموت بعشر نقاط؛ كأن تخبر طفلتيها كل وقت ممكن انها تحبهما، وان تسجل لهما رسائل في اعياد ميلادهما حتى تكبرا، وان تجد لزوجها زوجة مناسبة وام بديلة لطفلتيها، ان تطلي اظافرها وتزين شعرها، ان تشرب وتاكل كما تشاء، ان تقول ما تفكر به، ان تجعل رجل يقع في حبها، ان تزور والدها في السجن...، لربما هي امنيات بسيطة لكنها كبيرة بالنسبة ل آن التي صغر سنها والمسؤوليات التي تتحملها حالت دون ان تشعر بالحياة. نجحت آن في تحقيق كل الرغبات التي دونتها باستثناء واحدة "ان اقول ما افكر به"...، فقد اختارت ان تخفي خبر مرضها عن الجميع وان تحتفظ بمعاناتها وهواجسها سرا عن احبائها، حين ادركت ان الموت تجربة فردية لا يمكن لاحد ان يشاركها بها، مما عمق احساسها بالوحدة فلم تكن أبدا وحيدة في حياتها مثل الان... وليس الا الكذب... سيكون رفيقها الوحيد، بهذا حدثت نفسها وهي تتجول في السوبرماركت متأملة الناس ومتسائلة من منهم سيفكر بالموت هنا، لا احد فكل الاشياء هنا تمنع من التفكير بالموت... كل شيء سيبقى، الا هي ستغادر لوحدها... رغبت لو انها تغرف قدر الامكان من بهجة الحياة، ... كل ما تستطيع قبل ان تتسرب منها الايام، واكتشاف مشاعر جديدة لم تسمح لها الظروف من قبل باختبارها، تريد ان تعيش الحياة كما لم تعشها من قبل، الامر الذي يجعلنا نفهم ما يقف خلف بعض تصرفاتها الانانية بايذائها افرادا لا يستحقون ذلك... فها هي من جهة تخون زوجها الذي تحب مع رجل اخر، ومن جهة اخرى تستمتع بحب هذا الرجل الذي لا ذنب له ان يتعذب بعد غيابها. في النهاية نسمع رسائل بصوتها الى جميع احبتها تعتذر فيها عن اخفائها الامر عليهم، مترافقة مع صور لحياتهم تسير كما خططت اليه ان تكون عليه في غيابها... لتكون هذه حياتها من دونها. امتاز اسلوب المخرجة (ايزابيل كويزيت) بالشعرية التعبيرية والتأمل، من خلال مفردات البصرية السمعية مختلفة؛ كاللقطات القريبة ل آن تحت المطر تتأمل وتفكر، ونستمع بوضوح لمنولوجها الداخلي، الذي نعاود الاستماع له من حين الى اخر على امتداد الفيلم، مترافقا في اغلبها مع مشاهد بصرية تعبيرية تجسد احساس وانطباعات آن عن الحياة والناس، الاشياء المحيطة، وشعورها حيال ذلك، فنرى من وجهة نظر آن انطباعها عن الناس الغارقين في الحياة من حولها في مشهد السوبرماركت، نراهم مبتهجين، بعيدين عن التفكير بالموت، يرقصون، بالاضافة الى استخدام الكاميرا غير الثابتة المهتزة في كثير من المواقف تنقل الينا قلق واضطراب آن. "حياتي من دوني" بخلاف الافلام الاخرى التي تناولت موضوع السرطان، يتناول ثنائية الحياة والموت بطريقة مغايرة، حيث تغيب عنه المشاهد التي تركيز على آلام الجسد والمعاناة، او تعاطف الشخصيات المحيطة، وبالتالي تستدر عطفنا كمشاهدين، انما تمنحنا مساحة لتأمل قيمة الحياة التي يجب ان ندرك اهميتها، ونستمتع بكل لحظة فيها قبل ان تتسرب على غفلة منّا.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-03-2008 05:00 PM
سرايا |
2 - |
طائرة شحن و ليس طائرة ركاب ...مكتوب على الطائرة Cargo
|
01-02-2022 09:55 PM
مجدي بقاعين التبليغ عن إساءة |
3 - |
طائرة شحن و ليس طائرة ركاب ...مكتوب على الطائرة Cargo
|
01-02-2022 09:55 PM
مجدي بقاعين التبليغ عن إساءة |