11-01-2025 10:11 AM
سرايا - ضاعف المليارديران دونالد ترامب وأيلون ماسك من استفزازاتهما لأوروبا والعالم بشكل بات تهديدا لاستقرار العلاقات الدولية وفق خبراء ومعلقين. الموضوع استأثر باهتمام كبير من قبل عدد من المنابر الإعلامية الألمانية والأوروبية.
توالت تهديدات واستفزازات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وصديقه الملياردير إيلون ماسك تجاه عدد من الدول، بعضها صديق بل وحليف لواشنطن. فكيف يمكن التعامل مع رئيس أمريكي منتخب يفكر في ضم بلد جار وحليف ككندا؟ وما الذي يتعين على بلد كألمانيا، بل وتكتل قاري كالاتحاد الأوروبي، فعله تجاه التهديد الذي يشكله ترامب وصديقه ماسك من خلال أطماع الاستيلاء على غرينلاند رغم خضوعها لسيادة الدنمارك؟ أما ماسك فلا يتردد في استفزاز حلفاء من حجم ألمانيا وبريطانيا. فهل الأمر مجرد تصعيد كلامي أم أنه يجب التعامل معه ه بجدية كاملة. أسئلة غاية في التعقيد تواجه الدبلوماسية الألمانية والأوروبية قبيل تنصيب دونالد ترامب. ويبدو سيناريو المواجهة الدبلوماسية مع واشنطن شبه حتمي، خصوصا وأن دونالد ترامب وصديقه ماسك لا يبديان أي استعداد للتراجع عن سلوكهما.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "نويه تسوريخر تسايتونغ" الناطقة بالألمانية (الخميس التاسع من يناير/ كانون الثاني 2025)، معلقة "ربما يسعى ماسك لمعاقبة الأوروبيين، ببساطة لأنهم يُخضعون منصته الرقمية X لصرامة كاملة، أو الألمان لأن أسعار الكهرباء تصاعدت بسبب سياستهم الطاقوية المتهورة. هذا يضر بربحية مصنعه الكبير في برلين-براندنبورغ، الذي استثمر فيه حوالي ستة مليارات يورو (..) قد يعتبر المرء الأمر مجرد نزوات شخصية لرجل يمارس حقه في التعبير عن الرأي كما يفعل أي مواطن آخر، رغم أن له تأثيراً يشمل أكثر من 200 مليون متابع. لكن ماسك أصبح في الولايات المتحدة الآن رجلا قوياً في السياسة بفضل قربه من ترامب. في برلين ولندن وبروكسل، ربما يتساءل المرء بقلق: ما هي المصالح التي يمثلهاإيلون ماسك؟ مصالحه الشخصية أم مصالح الحكومة الأمريكية المستقبلية؟ (..) في أسوأ الأحوال، قد يصبح ماسك الرجل الأقوى في سياسة ترامب الخارجية. في أفضل الأحوال، ربما يهتم ماسك فقط بموضوع حرية التعبير. ومع ذلك، في النقاشات العادية كما في الدبلوماسية، تنطبق نفس القاعدة: من يُستفز يكون قد خسر بالفعل".
ماسك يستفز المشهد السياسي الألماني
جدد إيلون ماسك دعمه لحزب "البديل من أجل ألمانيا" بل ودعا للتصويت لصالحه في الانتخابات التشريعية المبكرة المُقرر إجراؤها في ألمانيا في أواخر فبراير/ شباط المقبل. وجاء ذلك خلال مقابلة له مع رئيسة الحزب أليس فايدل، على منصة إكس المملوكة له. وقال ماسك "حزب البديل فقط هو القادر على إنقاذ ألمانيا". وليست هذه المرة الأولى التي عبر فيها الملياردير الأمريكي عن أراء مشابهة أثارت غضبا في المشهد السياسي الألماني في خضم حملة انتخابات متوترة أصلا. وأظهرت نتائج استطلاع للرأي في ألمانيا نشرت في السادس من يناير الجاري أن حزب "البديل" جاء في المرتبة الثانية حيث حصل على تأييد 21.5% بعد حزب الاتحاد المسيحي الذي حصل على 31%. فيما جاء حزب المستشار أولاف شولتس (الاشتراكي الديمقراطي) في المرتبة الثالثة بنسبة تأيد 15.5%.
وبشأن تصريحات ترامب تجاه غرينلاند، قال المستشار الألماني أولاف شولتس (الثامن من يناير) إنّ هذه المطامع التوسّعية تثير "نوعا من عدم الفهم" بين الزعماء الأوروبيين، وذلك بعد أن تحدث مع عدد منهم. وذكر المستشار الرئيس الأمريكي المنتخب بمبدأ حرمة الحدود. وبعد مشاورات مع رؤساء حكومات أوروبية، قال شولتس إن "حرمة الحدود تنطبق على كل دولة" سواء كانت في الشرق أو الغرب، وردد شولتس المبدأ الدولي القائل إنه "لا يجوز تغيير الحدود بالقوة"، وأضاف أن "هذا المبدأ قائم وهو أساس لنظام السلام لدينا".
غير أن هذا الموقف قد لا يُغير الدينامية التي ترافق بداية الولاية الثانية لترامب والتي تعمل أيضا لصالح أنصاره من المليارديرات رؤساء شركات "سليكون فالي"، حسبما ذهب إليه موقع "شبيغل أونلاين" الألماني (التاسع من يناير) والذي كتب معلقا "مؤسس فيسبوك مارك زوكربرغ كان يظهر في الماضي في الصور إلى جانب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ويدافع عن القضايا التقدمية. وبعد هجوم أنصار ترامب على مبنى الكابيتول الأمريكي في عام 2021، قام فيسبوك بتعليق حسابات ترامب على منصاته. الآن كان من أوائل الذين تناولوا العشاء مع الفائز في الانتخابات في بالم بيتش. بعد ذلك، تبرع بمليون دولار لاحتفالات تنصيب ترامب. جعل أحد الجمهوريين رئيسًا للسياسة العالمية في شركته "ميتا" (..) وجلب مروج الفنون القتالية المختلطة دانا وايت إلى مجلس الإدارة، وهو صديق مقرب لترامب. وأخيرًا، أعلن عن التراجع الكامل لشركته، عن التحقق من مضامين الأخبار. وفي المستقبل، سيُسمح بوصف أعضاء مجتمع الميم بأنهم مرضى نفسيًا".
دبلوماسية ترامب ـ شبح تحكم قوانين الغاب في النظام الدولي؟
عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض شكلت زلزالا حقيقيا بالنسبة لدوائر صنع القرار في معظم العواصم العالمية. ولعل الكل يتذكر الولاية الأولى لترامب التي اتخذ فيها مجموعة من القرارات التي شكل جزء منها قطيعة في عقيدة السياسة الخارجية الأمريكية، كتهديد حلفاء واشنطن في الناتو أو الانسحاب من عدد من المعاهدات الدولية كاتفاقية المناخ أو الاتفاق النووي مع إيران أو تهديد عدد من المنظمات الدولية. غير أن الجديد في ولاية ترامب الثانية هو أن الوضع الدولي تغير حيث تفاقمت عوامل عدم الاستقرار وكثرت الحروب وبؤر التوتر. التهديدات الأولى لترامب وفريقه بشأن كندا وبنما وغرينلاند، إذا تأكدت، فإنها تؤشر على أن العلاقات الدولية قد تدخل في مرحلة يحكمها قانون القوة. فقد هدد ترامب بفرض رسوم جمركية على الدنمارك بسبب سيطرتها على غرينلاند التي هدد بالسيطرة عليها عسكريا، كما هدد باستعمال "القوة الاقتصادية" لتحويل كندا إلى ولاية أمريكية. ولا ننسى الأطماع التي عبر عنها بشأن قناة بنما.
صحيفة "غازيتا فيبورتشا" البولندية كتبت بهذا الشأن معلقة (التاسع من يناير) "يقف الشعر على الرأس عندما يؤكد سياسيون من محيط (الرئيس الأمريكي المنتخب) كيف سيكون حال الغرينلانديين تحت الحكم الأمريكي. هذا الخطاب يُذكر بشكل لافت رسائل الدعاية الروسية حول شبه جزيرة القرم، التي انتزعت من أوكرانيا قبل أحد عشر عامًا. كان من المفترض أن تتحول القرم تحت السيادة الروسية إلى أرض يفيض فيها الحليب والعسل. عندما يعلن ترامب علنًا أنه لا يستبعد إرسال قوات إلى غرينلاند لفصلها عن الدنمارك وضمها، فإنه يسلك الطريق نفسه الذي سلكه فلاديمير بوتين. إنه طريق بدأ بانتهاك القانون الدولي وأدى إلى ارتكاب الدكتاتور الروسي لجرائم ضد الإنسانية. هكذا سيكون مصير كل من يسلك هذا الطريق. في أوروبا، نعيش منذ عدة سنوات مع الخوف من هجوم روسي قد يستهدف بعد أوكرانيا أي دولة أخرى على الجبهة الشرقية لحلف الناتو. وفقًا لكلمات ترامب، قد تأتي التهديدات لنا من أمريكا، حليفنا الذي كان حتى الآن الأكثر استقرارًا. كان السيناريو الأكثر كآبة حتى الآن هو أن ترامب سيترك أوكرانيا في مستنقعها. لكن الآن يظهر أن الوضع قد يكون أسوأ بكثير".
حيرة الأوروبيين في بلورة استراتيجية مضادة
يتفق الخبراء على ضرورة بلورة الأوروبيين لموقف مُنسق لمواجهة هجمات ترامب بصوت واحد، وهو أمر لا يزال بعيد المنال بالنظر، خصوصا وأن ترامب حقق اختراقات من شأنها شق صفوف الأوروبيين، إذ تربطه "علاقات مودة" مع الإيطالية جورجيا ميلوني والمجري فيكتور أوربان. فإذا كانت اللحظة التي يجتازها العالم تدعو لرص صفوف الأوروبيين، فإن الديناميكيات في التكتل القاري تتجه نحو المزيد من التفكك والانشقاق. على المستوى الرسمي أكد رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين (التاسع من يناير) على أنّ الولايات المتحدة وأوروبا "هما أقوى معا". وقال كوستا وفون دير لاين في رسالتين منفصلتين لكن متطابقتين نشراهما على منصة إكس "نتطلّع إلى التعامل الإيجابي مع الإدارة الأمريكية الجديدة، استنادا إلى قيمنا المشتركة ومصالحنا المشتركة. في عالم مليء بالتحديات، أوروبا والولايات المتّحدة هما أقوى معا". لكن خلف هذه الكلمات الدبلوماسية هناك قلق حقيقي حول مستقبل العلاقات الأطلسية.
وبهذا الصدد دعت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة التماسك وكتبت "من المحتمل أن رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني قد أدركت فور لقائها مع دونالد ترامب حجم موجة الثنائي ترامب / ماسك التي تجتاح أوروبا أيضاً. وبما أن ميلوني هي الشخصية القيادية في الاتحاد الأوروبي التي تتناغم شخصياً وسياسياً بشكل أفضل مع ترامب، فإنها أصبحت الآن أمام فرصة للعب دور عبر الأطلسي، قد لا تكون قد تخيلته لنفسها من قبل. ولذلك، من المهم التذكير بالحاجة الأساسية والمبدئية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في ظل وجود ترامب وماسك: عدم الانشغال بتصريحات الحكومات والأحزاب الوطنية بشكل عشوائي، بل ضرورة التحدث بصوت واحد، باسم أوروبا كلها ومن بروكسل. من خلال اختيار الشخص الأنسب والأكثر مصداقية لمواجهة التحديات غير المسبوقة التي تأتي من الجانب الآخر من الأطلسي".
الشركات التكنولوجية الأمريكية تتحدى أوروبا
ترتسم ملامح مواجهة شبه حتمية بين الاتحاد الأوروبيوالشركات التكنولوجية الأمريكية العملاقة. فبالإضافة إلى استفزازات ماسك المتكررة، ألمح مارك زوكربيرغ رئيس مجموعة "ميتا" إلى تعليق آليات التحقق من مضامين الأخبار على منصتي فيسبوك وإنستغرام في عموم التراب الأمريكي. فهل ستضغط ميتا وغيرها من المنصات لفرض نفس التوجه في أوروبا التي اتهمها زوكربيرغ بتبني "عدد متزايد من القوانين التي تضفي طابع مؤسساتيا على الرقابة"، مرددا بذلك انتقادات مماثلة لمالك مجموعة "إكس" ايلون ماسك الذي لطالما انتقد مساعي الاتحاد الأوروبي لتنظيم الفضاء الإلكتروني. ويذكر أن الاتحاد الأوروبي سعى في السنوات الماضية لتنظيم الفضاء الرقمي بتبني قوانين جديدة بهذا الصدد. وبهذا الصدد، أكدت المفوضية الأوروبية على أن "قانون الخدمات الرقمية" لا يحدد ما يُسمح بنشره من عدمه على شبكة الإنترنت، ولكنه يُلزم المنصات الالتزام بالقوانين الوطنية القائمة المتعلقة بالمحتوى الرقمي.
وبهذا الشأن كتبت صحيفة "كوريير ديلا سيرا" الإيطالية معلقة (التاسع من يناير) "لقد تم تهميش الإعلام التقليدي، في البداية الصحف، ثم الراديو والتلفزيون، التي شكلت العمود الفقري للنقاش السياسي وتطور الديمقراطيات لمدة مائتي عام، بسبب التطور غير المنظم لمنصات التواصل الاجتماعي. وبما أن السياسة لا تستطيع التدخل، فإن الحدود الوحيدة هي القواعد الداخلية التي وضعتها هذه المنصات لتقليص التجاوزات. وهذه القواعد، رغم أنها في كثير من الأحيان مثيرة للجدل، إلا أنها تعتمد على الفهم بأنه يجب تنظيم المحتوى الذي يتم نشره على الإنترنت من أجل الحد من التشهير والكراهية والأكاذيب الواضحة. ومع ذلك، فإن التركيز على فحص الحقائق، الذي كان سمة انتخاب (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب الأولى، قد تلاشى، وقرار زوكربيرغ دفنه في الولايات المتحدة إلى الأبد. قدرة ترامب على التحكم في المعلومات ستزداد قوة، والمخاطر الناجمة عن الصراعات بين أمريكا وأوروبا ستنمو: ليس فقط بسبب الناتو والرسوم الجمركية، ولكن أيضًا بسبب قواعد الإنترنت".
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-01-2025 10:11 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |