13-01-2025 08:41 AM
بقلم : نادية سعدالدين
عندما وطأت أقدام السّاسة الصهاينة لأول مرّة أرض فلسطين، لم يجدوا فيها سوى أصحابها الفلسطينيين، وتجمع يهودي صغير، سُمّي «اليشوف القديم»، معظمهم من المتشددين دينياً الذين استوطنوا أواخر القرن الثامن عشر بذريعة نشر التعاليم الدينية، بين صفوفهم طبعاً لأن اليهودية ديانة غير تبشيرية، ولكنهم شكلوا «طلائع» الهجرات الصهيونية المُنظمة والمتلاحقة لاستلاب الأرض والإرث والتاريخ معاً، بالقوة والعنف والمجازر، كما يفعلون في غزة.
أوجدت الهجرات الصهيونية الأولى زخم الوقائع الاستيطانية على الأرض الفلسطينية، والتي مهد لها مؤسس الصهيونية الدينية، «زفي كاليشر»، ويترأسها «سموتريتش» الآن، حينما ابتاع أرضاً بالاحتيال في ضواحي يافا عام 1866 للتوطين، قبل أن تتوالى لاحقاً عمليات الاستيلاء على الأراضي، وفق طرق منظمة خطط لها المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897، والمصحوبة بتسويق مزاعم عودة «الشعب المختار» إلى «أرض الميعاد»، أو «أرض إسرائيل التاريخية».
ورغم أن مناقشة السّاسة الصهاينة لما سموه «المسألة اليهودية» تمت في إطار منظور «النفعية»، أي في الإطار العلماني العقلاني المادي من منطلق مدى نفعهم للمجتمعات التي يتواجدون فيها، إلاّ أنها استبدلت فيما بعد بفكرة العقيدة الاسترجاعية التي تربط «الخلاص» بعودة اليهود إلى فلسطين، والتي ارتبطت بمفهوم الاستعادة الذي تتضمنه النصوص التوراتية، فبما أن الأرض الفلسطينية كانت «يهودية» أصلاً ثم اُغتصبت منهم، فإن عملية استيطانها تشكل استعادة لأرض كانت ملكاً لهم، أو هكذا يزعمون.
استندت الصهيونية إلى هذا الزعم لاستكمال دعاوى علاقة اليهود القديمة تاريخياً بفلسطين، ولتحقيق الهدف الإستراتيجي الصهيوني الكامن في توسيع رقعة الأراضي الفلسطينية المغتصبة والاستيلاء عليها، وتعزيز النشاط الاستيطاني فيها.
وتحت ادعاء «استعادة أرض الميعاد»، احتلت الصهيونية الجزء الأكبر من أرض فلسطين، يقدر بنحو 79 % من الأرض الفلسطينية بدلاً من 55 %، وهي النسبة التي خُصصت لها وفق قرار التقسيم عام 1947، وقد كان اليهود قبل صدوره يستوطنون 5.6 % من أرض فلسطين، وأقل من 2.5 % منها عند صدور وعد بلفور عام 1917.
ولكن «الأرض المقدسة» لم ترتبط عند جلّ الساسة الصهاينة بهذا المعنى الديني، فهي عند مؤسس الحركة، «ثيودور هرتزل»، مجرد فرصة للاستيطان والاستثمار، كما لم يهتم «ليون بنسكر» أو «ماكس نورداو» مثلاً، وهما من مؤسسي الحركة أيضاً، بموقع المنطقة المختارة للاستيطان، بل في «نفعيتها ومدى إنتاجيتها»، مقترحين تشكيل لجنة خبراء لدراسة البدائل المتاحة، ومنها مشروع شرق أفريقيا – أوغندا الذي حظي بأغلبيتهم، فبالنسبة لهم «صهيون» مكان يمكن أن يُستبدل بأي مكان آخر، وبالتالي هم يتحدثون عن «الأرض الدنيوية» وليس «أرض إسرائيل التاريخية»، مقابل المتدينين عموماً الذين ينظرون لها كخلاص ديني روحي سيتحقق حينما «يرسل الرب مسيحه المخلـّص إليها ليحكم بالتوراة ويقيم مملكة إسرائيل»، وفق الرواية الصهيونية التي سوقتها لهم وتاجرت بها لخدمة مشروعها الاستعماري في فلسطين.
لن تتخلى الصهيونية عن مقولة «أرض إسرائيل التاريخية»؛ حتى لو كانت زائفة بالنسبة إليها، فمن خلالها تستطيع استقطاب المستوطنين حولها وتوحيد صفوفهم، وإضفاء المشروعية التاريخية على روايتها وتصوير نفسها كما لو كانت امتداداً لليهودية وليست نقيضاً لها، ونسج الرموز والأساطير القومية التي تضخ فيها مقومات الحياة.
والأهم من ذلك كله؛ أن الصهيونية بهذه الخُرافة تستطيع الحشد لتنفيذ مخطط «ضم» الضفة الغربية، والتوسع إقليمياً، بعد أن أفرزت تداعيات اتفاق «أوسلو» عن تحويل نحو 70 % من أراضيها لما يسمى «أراضي دولة»، لا يمكن استخدامها إلا من جانب المستوطنين فقط، بهدف التوسع الاستيطاني.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-01-2025 08:41 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |