13-01-2025 10:38 PM
بقلم : المهندس: معتز العطين
في ظل التقدم السريع في مجال التكنولوجيا وازدياد الاعتماد على التقنيات الرقمية في جميع أنحاء العالم، أصبح من الضروري أن تتبنى الدول استراتيجيات شاملة لتحفيز الابتكار الرقمي والاستفادة من الفرص المستقبلية. مع استمرار تسارع هذا التحول الرقمي في كافة القطاعات، أصبح من الضروري أن تتبنى الدول استراتيجيات مبتكرة لضمان قدرتها على مواكبة هذا التحول وتحقيق التنمية المستدامة.
في خطوة استراتيجية هامة، وجه جلالة الملك اليوم الحكومة لإنشاء المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، الذي يعد خطوة محورية نحو تمكين المملكة من مواكبة التحولات الرقمية العالمية وتعزيز قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيا. ولتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير فرص الابتكار في مختلف القطاعات الحيوية.و تعزيز مكانة الأردن كمركز تكنولوجي متقدم،لتحقيق نمو اقتصادي رقمي مستدام يساهم في تطوير القطاعات الأساسية مثل التعليم، الصحة، الصناعة، والبيئة.
تشير دراسات متعددة إلى أن هذه التقنيات ستلعب دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي. حيث يُتوقع أن تسهم التكنولوجيا الرقمية في إضافة 10 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2035، مع نمو كبير في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، والواقع الافتراضي. مما يعكس التغيرات العميقة التي ستطرأ على كافة الصناعات بفضل هذه التقنية. وتؤكد هذه الأرقام الحاجة الماسة للأردن للاستثمار في هذا المجال لضمان الاستفادة الكاملة من إمكانياته.
من أبرز التقنيات التي يجب أن يركز عليها المجلس هي الذكاء الاصطناعي، الذي يُتوقع أن يسهم في تغيير كافة القطاعات بدءًا من الرعاية الصحية وحتى التصنيع. فبتطوير حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يمكن تحسين جودة الخدمات الصحية، تقليل التكاليف، وتقديم حلول مبتكرة في معالجة الأمراض. في مجال التصنيع، سيسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين الكفاءة الإنتاجية من خلال تحسين عمليات الإنتاج، الصيانة التنبؤية، وتحليل البيانات الضخمة. كما سيكون له دور كبير في تطوير أنظمة ذكية قادرة على تحسين تجربة المستخدم في قطاعات متنوعة.
أما الطباعة ثلاثية الأبعاد، فهي تعد من التقنيات المتطورة التي تشهد نموًا هائلًا وتوسّعًا كبيرًا. وفقًا لتقرير شركة Deloitte، يُتوقع أن يصل حجم سوق الطباعة ثلاثية الأبعاد إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030. ستمكن هذه التقنية من بناء الهياكل المعقدة والتصاميم المخصصة بسرعة وكفاءة عالية، مما سيحدث تحولًا كبيرًا في العديد من الصناعات، مثل البناء، الطب، والصناعة. في مجال البناء، ستسهم الطباعة ثلاثية الأبعاد في تسريع عمليات البناء وتقليل التكاليف، بينما في مجال الطب، ستسهل تصنيع الأجزاء الطبية المخصصة مثل الأطراف الاصطناعية، ما يفتح أبوابًا جديدة للابتكار في هذا القطاع.
إلى جانب ذلك، يعد إنترنت الأشياء (IoT) أحد المحركات الرئيسية للتحول الرقمي. مع تزايد الأجهزة المتصلة ببعضها البعض، سيسهم إنترنت الأشياء في تحسين كفاءة العمليات في قطاعات مثل الزراعة، الصناعة، والنقل، من خلال جمع البيانات وتحليلها لتحسين الأداء واتخاذ قرارات مبنية على معلومات دقيقة. ويمكن أن يسهم الأردن بشكل كبير في هذا المجال من خلال تبني هذه التقنيات لتحسين إدارة المدن الذكية، وتعزيز إنتاجية القطاعات الصناعية، وتطوير حلول مبتكرة في مجالات أخرى.
كما أن أشباه الموصلات تمثل أيضًا تقنية رئيسية يجب أن يوليها المجلس اهتمامًا بالغًا. مع توقع نمو سوق أشباه الموصلات إلى 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2030 وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، يصبح من الضروري للأردن الاستثمار في هذه التقنية لدعم صناعات الأجهزة الإلكترونية، السيارات الذكية، والأنظمة الذكية، مما يعزز القدرة التنافسية للمملكة على المستوى الإقليمي والعالمي.
من الضروري أيضًا الإشارة إلى أهمية الأمن السيبراني في هذا العصر الرقمي، حيث تشير التوقعات إلى أن الإنفاق على الأمن السيبراني سيصل إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2030. مع تزايد الهجمات الإلكترونية، يصبح من الضروري على الأردن تعزيز قدراته في هذا المجال لتأمين البيانات والمعلومات الحساسة، وحماية الأنظمة الحكومية والخاصة من التهديدات المتزايدة.
أضف إلى ذلك تقنيات مثل البلوكشين (Blockchain) الذي يعزز الأمان والشفافية في المعاملات الرقمية، والواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) اللذان يعيدان تشكيل تجارب المستخدم في مجالات مثل التعليم والترفيه. كما أن التقنيات المتقدمة للطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية (Solar Energy) طاقة الرياح (Wind Energy) تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الاستدامة البيئية، في حين أن كل هذه التقنيات تفتح آفاقًا جديدة للابتكار والتنمية المستدامة في مختلف القطاعات.
لتحقيق رؤية المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، يجب على المجلس اتخاذ خطوات استراتيجية واضحة ومحددة. أولى هذه الخطوات هي وضع استراتيجية وطنية شاملة للتكنولوجيا، تتضمن أهدافًا قصيرة وطويلة المدى، وتحديد المجالات التكنولوجية ذات الأولوية مثل الذكاء الاصطناعي، الطباعة ثلاثية الأبعاد، وأشباه الموصلات. يجب أن تتماشى هذه الاستراتيجية مع احتياجات السوق المحلي وتوجهات الاقتصاد العالمي، مع التأكد من إشراك جميع الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص لضمان التنسيق الفعّال.
ثانيًا، تطوير بنية تحتية رقمية قوية يعتبر أمرًا بالغ الأهمية. يتطلب ذلك تحسين شبكة الإنترنت عالية السرعة، بناء مراكز بيانات حديثة، ودعم الحوسبة السحابية لتخزين وتحليل البيانات الكبيرة، مما يسهم في تسريع التحول الرقمي ويساعد في دفع عجلة الابتكار.
ثالثًا، تحفيز البحث والتطوير (R&D) يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الوطنية للمجلس. يُخصص المجلس ميزانية لدعم المشاريع البحثية في المجالات التكنولوجية المتقدمة، بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحث العلمي المحلية والدولية، بهدف استنباط حلول مبتكرة تساهم في التطور المستدام للأردن.
رابعًا، يجب تفعيل الشراكات الدولية مع الدول والشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا. عبر هذه الشراكات، يمكن للأردن أن يستفيد من الخبرات العالمية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد، مما يسهم في نقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر المحلية، إضافة إلى تعزيز العلاقات التجارية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
خامسًا، تطوير القوى العاملة الرقمية من خلال إطلاق برامج تدريبية متخصصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، الطباعة ثلاثية الأبعاد، وإنترنت الأشياء. وهذا سيساهم في بناء قاعدة من المهارات الرقمية التي تحتاجها سوق العمل المحلية.
سادسًا، يجب إنشاء حوافز تشجيعية للقطاع الخاص لتحفيز الشركات على تبني التقنيات الحديثة. تشمل هذه الحوافز تخفيضات ضريبية ودعم مالي للمشاريع الابتكارية، مما يعزز التبني الواسع للتقنيات الرقمية في الشركات المحلية.
سابعًا، من الضروري تنفيذ مشروعات تجريبية قابلة للتوسع في مجالات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي، لاختبار فعالية هذه التقنيات في السوق المحلي. يمكن بدء هذه المشاريع في قطاع البناء أو الرعاية الصحية لتقييم تأثير هذه التقنيات وقياس الفوائد المستدامة.
ثامنًا، يجب على المجلس تعزيز الوعي العام بالتكنولوجيا عبر حملات توعية وورش عمل تهدف إلى تعليم المواطنين والشركات حول فوائد هذه التقنيات، مما يسهم في نشر ثقافة الابتكار الرقمي ويزيد من استعداد المجتمع لاستخدام هذه التقنيات. ومع كل ذلك يجب على المجلس مراقبة الأداء وتقييم النتائج لضمان تحقيق الأهداف المحددة ومواجهة التحديات التي قد تظهر أثناء تنفيذ المشاريع التكنولوجية، مع الحرص على تعديل الاستراتيجيات بما يتناسب مع المعطيات الجديدة.
من خلال هذه الخطوات المتكاملة، سيكون المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل في الأردن قادرًا على تحقيق رؤية استراتيجية تضع المملكة في طليعة الدول المتقدمة تكنولوجيًا، مما يعزز من قدرتها التنافسية ويحقق أهداف التنمية المستدامة ويخلق بيئة اقتصادية رقمية مزدهرة تدعم الابتكار وتعزز التوظيف في المجالات التكنولوجية المتقدمة.
المهندس معتز غازي العطين
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-01-2025 10:38 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |