14-01-2025 05:59 PM
سرايا - الأستاذ الدكتور مأمون نديم عكروش - نقاش جوهري يدور في ذهن قادة التعليم العالي في مختلف دول العالم لتحديد ماهية جامعات المستقبل من حيث المفهوم والاستراتيجية والممارسة على أرض الواقع. اعتقد أن جامعات المستقبل يجب أن تكون جامعات ذكية، ليس من خلال استخدام التكنولوجيا المتقدمة فقط. نحن بحاجة ماسة لوقفة مراجعة استراتيجية دقيقة وعميقة وشاملة لمفهوم الجامعة الحالي بحيث ينتج عن ذلك وضع سياسات وآليات واضحة المعالم لكيفية بناء جامعة ذكية في المستقبل تكون قادرة على مواكبة التطورات العالمية التي تجري وخصوصاً التطورات التكنولوجية الهائلة والتغيرات والتحولات الاجتماعية والثقافية عالمياً وأهمها متطلبات سوق العمل التي أصبحت تركز بشكل ملحوظ على المهارات والقدرات اكثر من الشهادات والتحصيل الاكاديمي كغاية بحد ذاتها.
وهنا لا بد من القيام بعملية تغيير جوهري في أنموذج الجامعة الحالي (Paradigmatic Change) لتصبح الجامعة التي نطمح لها في المستقبل بحيث يتم من خلاله تحويل الجامعة من جامعة تقليدية أو جامعة تقليدية أدخلت التكنولوجيا حديثاً في عملها إلى جامعة ذكية من حيث المفهوم والاستراتيجية وآليات العمل وطرائق التدريس والبنية التحتية وتوظيف التكنولوجيا بشكل أساسي وليس داعم فقط في ممارسة عملها والعمل على تحقيق متطلبات سوق العمل العصرية. وهذا الامر يتطلّب البدء بعملية تقييم شاملة وموضوعية لتحليل مدى جاهزية الجامعة لتكون ذكية فعلاً . وهنا يجب البدء بعملية تقييم العقلية (Mindset) والثقافة المؤسسية (Organizational Culture) التي تقود الجامعة من اجل تحديد القدرة على قبول تغيير جوهري يقود إلى البدء الفوري في مشروع الجامعة الذكية القادرة على محاكاة وتحقيق متطلبات المستقبل. وهذا الأمر يتطلب العمل الجاد على خلق بيئة تعاونية خلاّقة (Creative & Cooperative Business Environment) ليس فقط داخل الجامعة وإنما مع كافة الجهات ذات العلاقة بها لإيجاد جامعة ذكية حسب الأصول. لذلك، مفهوم الجامعة الذكية يعتمد على توفير المُناخ المؤسسي (Organizational Climate) الملائم والموارد الاستراتيجية (Strategic Resources) المطلوبة التي تمكّن الجامعة من خلق قيمة مضافة للطالب والخريج والمجتمع لتكون المخرجات على مستوى عالِ من الجاهزية ومحاكاة متطلبات سوق العمل المحلي والإقليمي والعالمي.
لذلك، إضافةً الى توفر المرتكزات سابقة الذكر، فأن توفر البنية التكنولوجية الحديثة والعصرية أصبح ضرورة إسترتيجية (Strategic Necessity) وليس ترف حتى تتمكن الجامعة من التحول لجامعة ذكية قادرة على خلق ميزة تنافسية (Competitive Advantage) في عالمي الأعمال والتعليم العالي. وهذا أيضاً يتطلب الاستخدام المكثف للذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) وكافة أدواته في عملية التدريس والتدريب والتحديث والتطوير سواء من قبل قيادة الجامعة أو الطالب أو الخريج أو عضو هيئة التدريس وذلك للانتقال من مرحلة التدريس (Teaching) إلى مرحلة التعلّم (Learning) الممنهجة والمبنية على معلومات وبيانات يتم جمعها وتحليلها واستخدامها في عمليات اتخاذ القرار وذلك من أجل خلق قيمة مضافة وإكساب المهارات المطلوبة كنتيجة حتمية لعملية تعلّم ناجحة. وهذا الأمر يتطلب إحلال عقلية" التدريس" بعقلية "التعلّم" وأكساب المهارات (Skills) لأنها الطريقة الرئيسية لتحسين حياة الفرد وفقاً لمتطلبات سوق العمل والتحولات التي تجري في المجتمعات. ولا يتوقف الأمر هنا، إنما يجب العمل على تغيير مفهوم التعاون في اتخاذ القرار إلى مفهوم بناء الشراكات الإستراتيجية (Strategic Partnerships) سواء داخل أو خارج الجامعة مع كافة الجهات ذات العلاقة سواء أكانت ناظمة لصناعة التعليم العالي أو شريكة له في سوق العمل. إن تحقيق ما تم ذكره أعلاه سيؤدي إلى خلق خبرة تعلمّية مميزة (Learning Experience) التي تكون عادةً مدى الحياة سواء للجامعة أو للطالب أو للخريج على حدِ سواء.
فمن وجهة نظر استراتيجية، أعتقد أن أنموذج العمل الحالي (Current Paradigm) بحاجة ماسة لمراجعة إستراتيجية بطريقة متدرجة (Evolutionary) وليس نسفه بطريقة ثورية (Revolutionary) في صناعة التعليم العالي لخلق جامعة المستقبل لتكون ذكية. لذلك، تعديل أنموذج الجامعة الحالي يتطلب مدخل تدريجي مُخطط له بعناية وذلك من خلال المزج القوي بين أساليب التعليم التقليدية وغير التقليدية لتصبح هي الممارسة الفعلية ضمن رؤى استراتيجية واضحة المعالم. فيجب أن تصبج الجامعة مركز لإكساب المعرفة والمهارات بنفس الوقت لأن سوق العمل يعتمد على المهارة وليس الشهادة! وحتى تكتمل حلقة بناء جامعة ذكية يجب وجود بُعد دولي واضح المعالم في كافة أعمال الجامعة (Internationalization) وخصوصاً التركيز على عملية التعلّم وليس التدريس لخلق بيئة تعلمّية جوهرها الطالب (Student Focused Learning) بحيث ينتج عنها عملية تحولية شاملة (Transformative) تؤدي في النهاية إلى أحداث النقلة النوعية المطلوبة في الجامعات التي تعمل حالياً.
أن عملية التحول لجامعات ذكية مستقبلاً أصبح أمراً حتمياً نظراً لوجود مصادر التعلم والتعليم المفتوح التي لا تحتاج لجامعات اصلاً! فهناك حاجة ماسة لإحلال عملية القاء محاضرات بعمليات تعلّم فعالة ومستمرة يكون محورها إكساب المهارات وإعداد الطلبة لسوق العمل وليس تدريسهم المعرفة وتمكينهم من الحصول على شهادات فقط. وهذا يتطلب بالضرورة إعادة النظر باساليب وطرائق تعليم الطلبة بحيث تنتقل من عقلية الامتحان إلى عقلية التقييم من خلال أسلوب (Formative Assessment) كونها تركز على المهارات والقدرات الكامنة وليس التركز على قدرة الطالب الاحتفاظ بالمعلومات في لحظة معينة.
وحتى تكتمل حلقة بناء جامعة ذكية للمستقبل، فهذا يتطلب وجود أنظمة ضمان جودة (Quality Assurance) وإعتماد (Accreditation) رصينة وفعّالة سواء على المستوى الوطني او الدولي وعلى مستوى الجامعة والبرنامج والمساق من أجل تحقيق منظومة المهارات والقدرات المطلوبة والتي يجب تحديدها اصلاً وفقاً لمتطلبات سوق العمل العصرية.
هذا الطرح يؤشر بوضوح على أننا بحاجة ماسة إلى إعادة تشكيل مفهوم الجامعة مما يعني أنه لا بد من توفير متطلبات مُلحة حتى يتم العمل على بناء جامعة ذكية مستقبلاً. فمثلاً نحن بحاجة إلى إعادة النظر بالأنظمة والتشريعات الناظمة لصناعة التعليم العالي بحيث تمنح الجامعات مساحة أكبر من الاستقلالية والحاكمية المؤسسية ضمن سياسة واضحة المعالم وبنفس الوقت وضع الجامعات موضع المساءلة في حال عدم تحقيق المخرجات المتوقعة او عدم تطبيق أسس الحاكمية المؤسسية الرصينة. كما يجب أن تكون الجامعات مراكز تعليمية-مهاراتية مميزة (وليس تدريسية) ويكون هناك شركاء لها في عملية إكساب المهارات، حيث أنه يوجد حالياً جامعات في العالم بدأت بتطبيق هذا الأنموذج، فقد يكون التعليم في جامعة وإكساب المهارات في شركات كبرى او جامعات تطبيقية أخرى او دول أخرى او شركاء من سوق العمل.
اعلم تماماً أن عملية التحول إلى جامعة ذكية ليست عملية سهلة وأن هناك عدد من التحديات (Challenges) والمعيقات (Barriers) وأن هذه عملية تغيير جوهري كبيرة ولكن لا بد من البدء بهذه العملية حتى لا نفقد القدرة على المنافسة وبناء ميزة تنافسية لجامعاتنا. لذلك، إن البدء بعملية التحول نحو جامعات ذكية يساهم في عملية التحديث الاقتصادي والإداري وفقاً للرؤى الملكية السامية التي تركز على بناء الإنسان وليبقى الأردن منارة التعليم العالي في الإقليم .أن التحول لجامعات ذكية سيعزز مكانة الأردن في سوق العمل الوطني والإقليمي والدولي ويساعد على تحقيق استراتيجية السياحة التعليمية وتعزيز ما تحقق معاً.
الأردن يستحق الأفضل دوماً بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهد الأمين حفظهم الله ورعاهم.
أدام الله عزّك يا وطني.
*هذا المقال يعبر عن وجهة نظر شخصية.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-01-2025 05:59 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |