حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,15 يناير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2128

عالم غادر .. وحياة غير آمنة!

عالم غادر .. وحياة غير آمنة!

عالم غادر ..  وحياة غير آمنة!

15-01-2025 08:51 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : فريهان سطعان الحسن
صغيران كانا، يتلمسان طريقهما في حياة ظنّا أنها ستكون رحيمة بهما، وستمنحهما كل ما يطاردانه من أحلام لم تكن قد تبرعمت بعد.
صغيران يتدربان على دروب حياة لم يكونا يعرفانها. لم يختارا والديهما، لكن فطرة الطفولة جعلتهما يؤمنان أن الأب هو الحصن المنيع والسند، وأن الأمان يزهر من بين ذراعيه. لم يخطر ببالهما أن العالم مليء بالغدر، وأن أكثر ما قد يدمرنا ربما يأتي على يد أولئك الذين نمنحهم ثقتنا المطلقة، ونظنهم مصدر الحماية والدفء.


وهكذا كان، فقد خبأت لهما الحياة أبشع ما تدّخره من مفاجآت، وأرتهما وجهها البشع القبيح، وجانبها الغادر، فانطفأ الوهج في العيون الحالمة، وماتت الأحلام على يد أب تجرد من إنسانيته، ليتحول إلى وحش بشري لا يعرف معنى الرحمة.
لا شيء يصف فداحة الجريمة التي ارتكبها هذا الأب، حين ضحى بطفليه البريئين؛ طفلة لم تكمل ربيعها الخامس ورضيع لم يتجاوز عمره الأشهر، وقام برميهما في سيل الزرقاء، من ثم سلم نفسه للأجهزة الأمنية!
جريمة تهتز لها الأبدان، ولا يمكن فهم سياقاتها في السلوك البشري السويّ، فتحول الأب إلى قاتل متوحش لا يمكن تفسيره بأنه يتأتى بدوافع الانتقام من زوجته، ولكن يمكن أن يتعدى ذلك نحو محاولة إرضاء رغبة مريضة ومشوهة في قهر الآخر، والتسبب في حجم آلام غير مسبوق.
نحن نعلم أننا لا نعيش في مدينة فاضلة، فالجرائم المروعة تحدث بيننا في سياق متواصل. لكن، هناك أنواع من تلك الجرائم عصية على الفهم، كما هي عصية على النسيان، وآثارها الكارثية تزلزل المجتمع بأكمله.
في الجانب الآخر من التفكير الذي تفرضه هذه الحادثة، وغيرها من الجرائم، هو حجم المسكوت عنه أو المخفي الذي لا يظهر للعلن. الجرائم المأساوية تهز المجتمع باستمرار؛ آباء يقتلون أطفالهم وزوجاتهم، إخوة ينهون حياة شقيقاتهم، وأحداث إجرامية أخرى داخل العائلة تنفطر لها القلوب. لكن؛ ما الذي يحدث خلف الأبواب المغلقة ولا يصل إلى العلن؟ قد يكون الأمر أكثر ألما وعذابا ومأساوية، فهناك بيوت كثيرة تخفي بين جدرانها حكايات من الألم والقهر لا تنتهي، وأرواحا مكسورة تحتاج صوتا ينصفها قبل أن تلقى ذات المصير!
كم من الأطفال يتعرضون يوميا للتعنيف الجسدي، وتسلب منهم طفولتهم تحت مطرقة الخوف؟ وكم من النساء يعانين القسوة والذل بصمت، ويتجرعن العنف الجسدي والنفسي بدون أن تسمع أصواتهن؟
العام 2024 شهد 25 جريمة قتل أسرية، بارتفاع في عدد الضحايا بنسبة 18.5 % مقارنة بالعام 2023. وسجلت إدارة حماية الأسرة 58,068 حالة عنف أسري خلال العام الماضي فقط. هي أرقام صادمة تعكس حجم الألم داخل البيوت، وتطرح تساؤلات موجعة: ماذا ننتظر بعد؟ كيف نحمي الضحايا وننقذ الأرواح قبل أن تتحول إلى أرقام جديدة تضاف إلى قائمة ضحايا الجرائم البشعة؟
نحن نعيش في مجتمع متغير، بسلوكياته وأنماط العلاقات بين أفراده وانهيار للمنظومات القيمية التي تحكمه، فكيف يمكن أن نواجه هذا المد المتزايد من شرور النفس البشرية التي يدفع ثمنها الأبرياء؟
هل يمكن وضع حلول حقيقية لضمان خفض أرقام الضحايا، وحماية الفئات الأكثر عرضة للأذى ووقوع الجرائم عليها، ينبغي تضافر جهود الجهات الرسمية وغير الرسمية التي تعنى بالأسرة والطفولة لتقديم جميع أشكال الحماية والرعاية للأطفال، لكي لا نظل نتحسر على ضحايا جرائم تأخذ من منسوبنا الإنساني، وتدفعنا نحو القنوط.

الغد











طباعة
  • المشاهدات: 2128
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
15-01-2025 08:51 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تسعى "إسرائيل" لتقسيم سوريا إلى كانتونات بحجة ضمان أمنها من تهديدات الفصائل المسلحة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم