18-01-2025 10:00 AM
بقلم : روشان الكايد
تُجسد دولة قطر نموذجاً متفرداً في صناعة السياسة الإقليمية، مستندة إلى رؤية استراتيجية عميقة تدرك تعقيدات المنطقة وتوازناتها الدقيقة. وفي هذا السياق، يأتي دعم قطر لسوريا سياسياً واقتصادياً كترجمة حقيقية لدورها المسؤول في تعزيز الاستقرار الإقليمي، بعيداً عن الاعتبارات اللحظية أو المصالح الضيقة .
منذ اندلاع الأزمة السورية، تبنّت قطر موقفاً يستند إلى مبادئ واضحة، متمثلة في دعم استقرار سوريا والحفاظ على وحدة أراضيها، مع إيلاء أهمية قصوى لتخفيف معاناة الشعب السوري. هذا الموقف لم يكن مجرد شعار سياسي، بل تمثّل في خطوات عملية تهدف إلى دعم مسارات الحل السلمي وإعادة الإعمار، انطلاقاً من إيمان قطر بأن استقرار سوريا هو جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة بأكملها .
التحركات القطرية في الملف السوري تعكس فهماً عميقاً لطبيعة الصراع وتعقيداته، حيث لعبت الدوحة دوراً فاعلاً في تهيئة الأجواء للحوارات السياسية، وتقديم الدعم الإنساني عبر قنوات موثوقة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها. هذه الجهود تنبع من قناعة راسخة بأن الحلول العسكرية لا تؤدي إلا إلى مزيد من الدمار، بينما يمثل الحوار السياسي والمصالحة الوطنية السبيل الوحيد للخروج من الأزمة .
اقتصادياً، أدركت قطر أن إعادة إعمار سوريا يتطلب انخراطاً إقليمياً ودولياً مسؤولاً، فبدأت بخطوات تهدف إلى فتح آفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري، بما يسهم في إعادة بناء البنية التحتية ودعم الاقتصاد السوري المتعثر. هذا التوجه لا يعكس فقط رغبة قطر في المساهمة بإعادة الإعمار، بل أيضًا رؤيتها لدور الاقتصاد في تحقيق السلام والاستقرار .
تعكس هذه السياسات القطرية مزيجاً من الحكمة والمرونة السياسية، حيث تتجنب الدوحة الانزلاق في سياسات المحاور أو الصراعات الإقليمية العقيمة، مفضلة تبني مقاربة واقعية تراعي موازين القوى والمتغيرات الدولية. هذه المقاربة الذكية جعلت من قطر فاعلاً إقليمياً مؤثراً قادراً على بناء جسور التواصل بين الأطراف المتصارعة، وتعزيز الحلول السلمية للأزمات .
إن الدعم القطري لسوريا ليس مجرد موقف سياسي، بل هو استثمار طويل الأمد في أمن واستقرار المنطقة. فقد أدركت الدوحة أن استعادة سوريا لعافيتها تصب في مصلحة الأمن الإقليمي، وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة في الشرق الأوسط. هذه الرؤية المتقدمة تميز السياسة القطرية، وتؤكد مكانة الدوحة كدولة تتصدر المشهد السياسي الإقليمي بحكمة ومرونة .
لقد أثبتت قطر أن الدول ليست بحجم مساحتها أو عدد سكانها، بل بحجم رؤيتها الاستراتيجية وتأثيرها في محيطها. ومن خلال دعمها المتزن لسوريا، تبرهن الدوحة على أنها قوة دبلوماسية واقتصادية تسهم في رسم ملامح مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً للمنطقة .
كم اثق بعقلية صانع السياسة القطري الدارس جيدا لآلية البقاء والمدرك بدقة لمحددات الثبات والاستقرار .
#روشان_الكايد
#محامي_كاتب_وباحث_سياسي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-01-2025 10:00 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |