19-01-2025 08:21 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
اقترب الموعد الزمني لسريان التعديل المتعلق بعدم جواز حبس المدين في الالتزامات التعاقدية، حيث تضمن قانون التنفيذ المعدل رقم (9) لسنة 2022 حكما تشريعيا مفاده أنه لا يجوز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي باستثناء عقود إيجار العقار وعقود العمل، على أن يسري هذا النص المستحدث بعد مرور ثلاث سنوات على نفاذ أحكام القانون المعدل الأخير.
إن أهم ما يميز التعديلات التي خضع لها قانون التنفيذ الأردني في عام 2022 أنها قد توسعت في الحالات التي لا يجوز فيها حبس المدين لتشمل الديون بين الأزواج أو بين الأصول والفروع ما لم يكن الدين نفقة محكوماً بها، وإذا كان الدين موثقا بتأمين عيني، وإذا قل مجموع الدين المُنفذ أو المبلغ المحكوم به عن خمسة آلاف دينار ما لم يكن بدل إيجار عقار أو حقوقاً عمالية. كما قلّصت التعديلات الأخيرة على قانون التنفيذ مدة حبس المدين، بحيث أصبحت لا تتجاوز ستين يوما في السنة الواحدة عن الدين الواحد، وما مجموعه مائة وعشرون يوما في ا?سنة الواحدة مهما تعدد الدائنون.
وقد تعالت الأصوات النيابية والسياسية المهللة بهذه التعديلات، التي اعتبرت أن حبس المدين هو إجراء تنفيذي قديم هجرته معظم التشريعات الحديثة، وبأن القوانين المقارنة في الدول العربية المجاورة قد استغنت عن هذه الطريقة التي وصفها البعض بأنها ظالمة وتمس حق الفرد في العيش بكرامة، وتعتدي على حريته في العمل والتنقل بسلام.
إلا أن أصحاب المواقف المعادية لحبس المدين قد فاتهم أن هذا الإجراء لا يزال قائما ومطبقا في العديد من الدول العربية، حتى أن دولة قطر الشقيقة قد أصدرت قبل أشهر قليلة قانونا جديدا لتنفيذ الأحكام القضائية توسع في النصوص التشريعية ذات الصلة بحبس المدين.
فمن خلال استعراض قانون التنفيذ القضائي القطري الجديد رقم (2) لسنة 2024، نجد أنه قد منح القاضي سلطة إصدار جملة من القرارات لتنفيذ الأحكام القضائية، والتي تشمل إلى جانب الحجز على أموال المدين المُنفذ ضده وبيعها، إصدار القرار بحبسه. فالقاضي القطري يملك الحق في حبس المدين المُنفذ ضده من تلقاء نفسه حتى لو لم يطلب ذلك ذوو الشأن، ولمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر في السنة الواحدة، وذلك إذا ثبت لديه أنه قادر على التنفيذ وأمره بالوفاء ولم يمتثل.
كما توسع القانون القطري في حالات حبس المدين، بحيث أجاز للقاضي أن يأمر بحبس ممثل الشخص المعنوي المُتسبب في إعاقة التنفيذ إذا كان المدين المُنفذ ضده شخصا معنويا.
إن هذا القانون الحديث الصادر عن دولة عربية تتمتع بنظام قانوني متطور كقطر، يشكل ردا صريحا على المواقف السياسية والشعبية التي ترى في حبس المدين الممتنع عن الدفع أسلوبا غير إنساني ويتعارض مع حقوقه وحرياته الفردية. فلا استثناءات في القانون القطري على حبس المدين تتعلق بقيمة الدين أو طبيعة الالتزام التعاقدي كما هو الحال في القانون الأردني، الذي سيمنع الحبس في معظم الديون المدنية بين الأفراد والتي تنشأ عن التزامات تعاقدية فيما بينهم خلال الأشهر القليلة القادمة.
في المقابل، وإذا ما أردنا أن ننحاز إلى الجانب المناهض لحبس المدين ونتضامن مع الأصوات التي تنادي بإلغائه على اعتبار أنه وسيلة لاقتضاء الديون وليس غاية، فإن من حقنا أن نتساءل عن البدائل التشريعية التي أوجدها المشرع الأردني لحماية الطرف الثاني في علاقة الدين، وهو الدائن الذي يستحق الرعاية القانونية أسوة بالمدين في الدعاوى الحقوقية.
إن قانون التنفيذ الأخير لعام 2022 بما تضمنه من تعديلات دخلت حيز التنفيذ ونصوص مستحدثة سيبدأ سريانها خلال الأشهر القادمة لم يمنح الدائن آليات تنفيذية جديدة في مقابل تقييد حالات حبس المدين. ذلك على خلاف القانون القطري الجديد الذي اعتبر أن من ضمن القرارات القضائية التي يمكن أن تصدر في مواجهة المدين المُنفذ ضده منعه من إجراء بعض التصرفات القانونية، أو من الاستفادة من بعض الخدمات الحكومية بالنسبة للشركات والأشخاص المعنوية الخاصة، بالإضافة إلى حظر التعاقد مع المُنفذ ضده من قبل الجهات الحكومية إلى حين سداد الدين ?لمستحق في ذمته للغير.
ومن الدول العربية الأخرى التي تفرض قيودا على المدين بدلا من حبسه، قانون التنفيذ في المواد المدنية والتجارية البحريني رقم (22) لسنة 2021 الذي يُلزم القاضي بإصدار الأمر للتأشير على السجل الائتماني للمدين الممتنع عن الدفع لمدة سبع سنوات حماية للدائنين المحتملين مستقبلا. كما يقوم القاضي البحريني بالتعميم على جهاز المساحة والتسجيل العقاري، ومصرف البحرين المركزي، والإدارة العامة للمرور، والسجل التجاري، وشركة بورصة البحرين، لتتبع أي معاملة قد يجريها المدين تتعلق بأمواله بالبيع أو الشراء أو بأي شكل آخر وذلك كوسيلة?ضغط عليه ليقوم بسداد دينه.
إن مجلس النواب مدعو اليوم إلى مراجعة قانون التنفيذ الحالي، والعمل على توفير بدائل حقيقية للدائن تمكنه من استيفاء حقه من المدين الممتنع عن الدفع دون عذر مشروع، وذلك قبل نفاذ التعديلات الأخيرة على القانون التي ستحظر حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزامات تعاقدية.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-01-2025 08:21 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |