بقلم : عوني الداوود
كل ما اتخذه -أو سيتخذه- الرئيس الأمريكي «الجديد - القديم» دونالد ترامب من قرارات بعد تنصيبه رسميًا يوم أمس، سيؤثر في العالم -ونحن في الأردن جزء من هذا العالم-، هذه حقيقة يدركها العالم، وإلاّ لما كانت الانتخابات الأمريكية دون غيرها من الانتخابات الرئاسية في العالم، موضع ترقب وانتظار في كل مرّة، لأنها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعدّ القوة العسكرية والاقتصادية الأكبر في العالم، حيث يُقدَّر اقتصادها بنحو (28.7 تريليون دولار) و(الأولى عالميًا نوويًا وعسكريًا).
قرارات الرئيس الأمريكي بالخصوص، تؤثر في الداخل الأمريكي بداية، وهي تختلف في أولوياتها بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.. وهي تختلف من رئيس لرئيس حتى لو كان من نفس الحزب، ولو بطريقة تنفيذ البرنامج وترتيب الأولويات.. أمّا بالعموم، فإن السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي عمومًا تؤثر في الدول سياسيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا.. فما بالنا والرئيس الذي نتحدث عنه هو دونالد ترامب الذي بدأ بالتغيير قبل أن يتم تنصيبه رئيسًا؟!
ترامب الرئيس الـ47 الذي تم تنصيبه بالأمس رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية يختلف عن معظم الرؤساء الذين سبقوه، فهو في نظر الأمريكيين الذين انتخبوه رئيس قوي قادر على تحسين الاقتصاد الأمريكي وخفض التضخم وخلق فرص العمل ودعم الشركات الكبرى.. وهو في الداخل والخارج رئيس ينفذّ ما يعد به.. وكل ما وعد به خلال حملته الانتخابية يترقب الأمريكيون والعالم تنفيذه بأسرع مما نتوقع، والأدلة على ذلك متعددة أهمها (في منطقتنا):

وقف الحروب في الشرق الأوسط: فلولا ضغط ترامب وإصراره لما اضطر نتنياهو لوقف العدوان على غزة.. ولولا ضغوط ترامب لما توقفت الحرب على لبنان وتم انتخاب رئيس جديد لها بعد فراغ رئاسي لأكثر من عامين.. ولما تمّ التعامل بهذا الهدوء مع تطورات الوضع في سوريا.
ندرك تمامًا أن وقف العدوان على غزة لم يأتِ تعاطفًا ولا حبًا بالفلسطينيين، ولكن بشخصية وعقلية الرئيس ترامب رجل الأعمال، فإن الحرب على غزة لم تعد ذات جدوى اقتصادية، كلفت الخزانة الأمريكية قرابة الـ100 مليار دولار، مقابل «أفضلية» السلام في المنطقة، وإبرام اتفاقيات تجارية واقتصادية مع دول المنطقة بدءًا بمشروع الخط التجاري من الهند إلى دول الخليج فالأردن وصولًا إلى أوروبا، وهو مشروع سيحقق فوائد للتجارة العالمية بمئات المليارات، والأهم أنه يقطع الطريق على المشروع الصيني الكبير «الحزام والطريق».
هناك قرارات مهمة (مرتقبة) سيتخذها الرئيس ترامب ستؤثر على المنطقة عمومًا والأردن بصورة أو بأخرى وفي مقدمتها:
1. مستقبل غزة والضفة والقضية الفلسطينية في مقدمة القرارات المنتظرة والتي سيتأثر بها الأردن سلبًا أو إيجابًا، فاستمرار وقف الحرب على غزة وبدء الإعمار سيؤثر إيجابًا، أمّا دعم مخططات إسرائيل بخرق الهدنة وعودة الاعتداءات وضم الضفة.. سيؤثر سلبًا بالتأكيد.
2. هل سيدعم ترامب حل الدولتين؟ والجواب على هذا السؤال يهمّ الأردن تمامًا.
3. هل سيوقف ترامب دعم «الأونروا» كما فعل خلال رئاسته الأولى؟ أم سيتغاضى عن ذلك؟
-باختصار: في الملف الفلسطيني أعتقد أن أولوية ترامب تحقيق «السلام الاقتصادي» للبدء بالمشاريع الكبرى العابرة للقارات، وفي مقابل ذلك قد يتم تأجيل كثير من القرارات التي قد تعطّل مثل هذه الاتفاقيات حتى ولو أدى ذلك لمزيد من الضغط على نتنياهو.
4. في القرارات العالمية فإن في مقدمة أولويات ترامب إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.. ولو تم ذلك فسوف ينعكس الأمر إيجابًا على الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة والأمن الغذائي وسلاسل التوريد وأسعار الشحن.. إلخ، وكلها إيجابيات ستنعكس على التجارة العالمية وعلى الاقتصاد الأردني بغض النظر عن نسبة الاستفادة.


5. في خطاب تنصيبه بالأمس أعلن ترامب فرض رسوم جمركية على الواردات، وهذا سيؤثر على الصين وغيرها، ويعني زيادة حدّة الحرب التجارية بين أكبر اقتصادات العالم، وسيؤثر سلبًا على العالم، والأردن ليس ببعيد عن تلك المؤثرات.
6. حتى القرارات الداخلية التي سيتخذها ترامب سيتأثر بها الأردن بصورة أو بأخرى، لأنها سوف تنعكس سلبًا أو إيجابًا على معدلات التضخم في أمريكا، وبالتالي على سعر الفائدة. والأردن يربط سعر الدينار بالدولار الأمريكي منذ العام 1995 وهي سياسة أثبتت نجاحًا تمامًا وحمت الدينار.. ولكن تأثير القرارات الداخلية على سعر الفائدة سيؤثر على الاقتصاد الأردني وجميع الاقتصادات، خصوصًا المرتبطة بالدولار الأمريكي.
باختصار: كل ما ذكرته مجرد خطوط عريضة، وإلاّ فالتفاصيل كثيرة، لكن ملخصها أن الاقتصاد العالمي اعتبارًا من اليوم سيدخل مرحلة جديدة مع تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، وقراراته ستغيّر جميع المؤشرات الاقتصادية من أسواق المال العالمية مرورًا بأسعار الفائدة والدولار والعملات والنفط والذهب والمعادن والعملات المشفرة.. وليس انتهاءً بالضرائب والرسوم الجمركية وغيرها.. وجميعها سيتأثر بها العالم.. والأردن في قلب الحدث دائمًا.. ولكن دعونا نتفاءل بأن وقف الحروب في الإقليم والعالم لو استمر، فسوف تكون مرحلة «ترامب» خيرًا اقتصاديًا على الإقليم عناوينه الرئيسة «مشاريع إعادة الإعمار» و»المشاريع الكبرى العابرة للقارات».


الدستور