22-01-2025 09:34 AM
بقلم : محمد خروب
حفِل خطاب القسَم الذي ألقاه الرئيس الأميركي القديم الجديد/ ترامب, بكثير من القضايا والملفات بعناوين عديدة, محمولة على رسائل مُختلفة للداخل الأميركي وخصوصاً للخارج. ما يدفع للتساؤل حول ما إذا كان جاداً فعلاً في ما ذهبَ إليه؟, أم أنه رامَ تكوين إنطباع أولي «مُراوغ», لن يلبث بعد وقت قصير التخلّي عنه, على النحو الذي ميّز فترته الرئاسية السابقة (2017ــ 2021). إذ قال ترامب في مبنى الكابيتول: أريد أن يكون «إرثي» هو أنني «صانع سلام ووحدة». وستُوقِف قوتنا «الحروب», وتجلِبُ روحاً جديدة من الوحدة, إلى «عالَم كان غاضباً وعنيفاً وغير قابل للتنبُّؤ تماماً». مُضيفاً: سنكون أمة (لا مثيل لها مليئة بالرحمة والشجاعة و«الإستثنائية»). مُكرراً القول: أننا «سنضع حداً لكل الحروب».
من السذاجة الإفراط في التفاؤل إزاء ما سعى ترامب «الثاني» إلى ترويجه, أقلّه حتى «المئة يوم» الأولى من ولايته الجديدة. ما يمنحنا فرصة لإستكمال ما بدأنا به مقالة أمس/ الثلاثاء, حول الدراسة المُثيرة واللافتة التي نشرها الفيلسوف الروسي الشهير/الكسندر دوغين (قبل أسبوع واحد من تنصيب ترامب), جادلَ فيها بأن, «ايديولوجية ترامب»... ستُغيِّر الولايات المتحدة والعالم.
يُضيء دوغين على عهد ترامب «الأول», قائلاً: ما تزال رئاسة ترامب «الأولى» تبدو وكأنها صُدفة، أو فشل تقني للنظام. نعم ـ تابعَ ـ لقد وصلَ إلى السلطة على موجة من الشعبوية، مُعتمِداً على تلك الدوائر في الولايات المتحدة, التي أدركت بشكل مُتزايد عدم قبول الأجندة العولمية ورفضت «اليقظة» (wokeism/كود يساري ليبرالي بمبادئ الفردية المفرطة، وسياسات النوع الاجتماعي، والنسوية، ومجتمع الميم، وثقافة الإلغاء، وتشجيع الهجرة، بما في ذلك الهجرة غير الشرعية، ونظرية العِرق النقدية، وما إلى ذلك). في ذلك الوقت ـ أردفَ دوغين وفق ترجمة د. زياد الزبيدي ـ بدأت الولايات المتحدة لـ«أول مرة في الحديث عن الدولة العميقة». إذ كان هناك «تناقُض مُتزايد», بينها وبين مزاج الجماهير العريضة من الناس.
لكن في الفترة 2016-2020، (لم تأخذ الدولة العميقة ترامب على مَحمَل الجد»، ولم يكن لديه الوقت لـ«تنفيذ الإصلاحات البنيوية كرئيس». حيث بعد نهاية ولايته الأولى، دعمتْ «الدولة العميقة» بايدن والحزب الديمقراطي، وأثرَت على الانتخابات وفرضتْ ضغوطاً غير مسبوقة على ترامب، مُعتبِرة أنه «يُشكل تهديداً للمسار أحادي القطب العولَمي بأكمله», الذي كانت الولايات المتحدة تتبعه منذ عدة عقود «وبنجاح عموماً». ومن هنا ـ يلفِتُ دوغين ـ جاء شعار حملة بايدن «إعادة البناء بشكل أفضل/Build back better». وهذا يعني أنه بعد «فشَل» إدارة ترامب الأولى، «حان الوقت للعودة إلى تنفيذ أجندة الليبرالية العالمية».
لكن ـ إستدركَ الكاتب ـ كل شيء تغيّر في الفترة 2020-2024. ورغم أن بايدن، بالاعتماد على الدولة العميقة، استعاد الخط السابق، إلا أنه هذه المرة «كان بحاجة إلى إثبات أن كل تلميحات أزمة العولمة», لم تكن أكثر من «دعاية المُعارضين»، و«عمل عملاء بوتين أو الصين» و«مكائد هامشية داخلية».
ما دفعَ بايدن، (بدعم من قادة الحزب الديمقراطي الأميركي و«المحافظين الجُدد»)، إلى «محاولة» تقديم الأمر بطريقة لا تتعلق بأزمة حقيقية، ولا بمشاكل ولا بحقيقة أن الواقع يتناقض بشكل متزايد مع أفكار ومشاريع العولميين الليبراليين، بل بـ"الحاجة إلى زيادة الضغط على خصومهم الأيديولوجيين», لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، ووقف التوسّع الإقليمي للصين (مشروع «طريق واحد ــ حزام واحد»)، و«تخريب» مجموعة البريكس وغيرها من الاتجاهات نحو التعدّدية القُطبية، وقمع الميول «الشعبوية» في الولايات المتحدة وأوروبا وحتى القضاء على ترامب (قانونياً وسياسياً وجسدياً). ومن هنا ـ تابعَ ـ جاء «تشجيع الأساليب الإرهابية وتشديد الرقابة الليبرالية اليسارية». في الواقع ـ إستنتجَ دوغين ـ تحت حكم بايدن, «أصبحت الليبرالية أخيراً نظاماً شمولياً».
واصلت «الدولة العميقة» دعم بايدن والعولميين بشكل عام (ومن بين أهم مُمثليهم في أوروبا: بوريس جونسون، وكير ستارمر، وإيمانويل ماكرون وأورسولا فون دير لاين). كما أصبحت هياكل «سوروس» المُتشددة في العولمة «نشطة للغاية»، (جورج سوروس: «ملياردير أميركي/يهودي من أُصول مجرية», مُمول للثورات الملونة وما يُوصَف «مؤسسات المجتمع المدني»). ولم تتغلغل فقط ـ واصلَ دوغين ـ في جميع المؤسسات الأوروبية، بل طوّرت أيضاً أنشطة محمومة لإزالة ناريندرا مودي في الهند، وإعداد «ثورات مُلونة» جديدة في الفضاء ما بعد السوفياتي (مولدوفا، جورجيا، أرمينيا)، والإطاحة بالأنظمة «المُحايدة أو حتى المُعادية للعولمة, في العالم الإسلامي مثل بنغلاديش وسوريا.
ماذا عن الترامبية كـَ«ايديولوجية ما بعد الليبرالية»؟. وماذا عن الترامبية كَـ«إنكار للعولمة»؟. هذا ما سنُضيء عليه في عُجالة الغد.
kharroub@jpf.com.jo
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-01-2025 09:34 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |