حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,22 يناير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2225

د. صلاح جرّار يكتب: صناعة التشاؤم

د. صلاح جرّار يكتب: صناعة التشاؤم

د. صلاح جرّار يكتب: صناعة التشاؤم

22-01-2025 09:35 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. صلاح جرّار
البسطاء ومحدودو الثقافة وسطحيّو التفكير من الناس هم الذين يقعون بسرعة ضحيّة المكائد والمصائد الإعلاميّة والنفسيّة التي تنصبها وسائل الإعلام الموجّهة، والتّصريحات التي يطلقها المسؤولون في بلدان العالم المختلفة للتأثير في وعيهم ومواقفهم ومشاعرهم.

وهؤلاء البسطاء لا يكادون يسمعون خبراً مهما كان مصدره أو توقيته أو هويّة ناقله أو معقوليّته حتى يبادروا إلى تصديقه والتسليم به وبناء أحكامهم ومواقفهم عليه، بل إن مشاعرهم تتأرجح بين التشاؤم والتفاؤل حسب تعاقب الأخبار وتواتر التصريحات، وعندما يكثر هذا النوع من المتلقّين للأخبار والتصريحات والتعليقات وتتضاعف استجاباتهم المتسرّعة لها وتتفشّى أحكامهم غير المستندة إلى أيّ دليل غير الذي تلقّوه من وسائل الإعلام فإنّ ذلك يوفّر مدخلاً واسعاً لمن يريد العبث بوعي الناس ومواقفهم واتجاهاتهم، وخاصة في لحظات الضعف والتراجع التي تعتري الأمّة أحياناً، فعند ذلك يسهل عليهم تغذية مشاعر الإحباط واليأس والتشاؤم وتصبح الأخبار والتصريحات والتعليقات التي تعزّز هذه المشاعر النفسية السلبية أكثر قابليّة للتصديق ممّن ليس لديهم الاستعداد لإعمال عقولهم لتمييز السليم من الخبيث من هذه الأخبار والمعلومات والآراء، ممّا يؤدي في النهاية إلى تحقيق ناشري تلك الأخبار ومطلقي تلك التصريحات والآراء لأهدافهم مهما كانت.

ولمــّا كان الإعلام الصهيوني والغربيّ في هذه الأيام يتفوّق كثيراً على الإعلام العربي، وكان الوطن العربي يعاني من صورٍ من الضعف على أكثر من صعيد، فقد امتلك الإعلام الغربي والصهيوني قدرةً كبيرةً على التأثير في العقل العربي والروح العربيّة.

ولذلك فإنّ إشاعة التشاؤم في الوسط العربي إمّا أن تكون مقصودة يديرها أعداء الأمّة لإضعاف المعنويات مستغلّين واقع الأمّة وتفككها وضعف إعلامها، وإمّا أن تكون غير مقصودة يديرها المهزومون نفسيّاً وأصحاب الثقافة الضحلة.

ولا بدّ أمام هذا الواقع من التصدّي لمخاطره انطلاقاً من قاعدة أساسيّة مهمّة فحواها أنّه ليس بالضرورة أن يكون كلُّ ما نسمعه أو نقرأه جديراً بالتصديق وخاصّة إذا كان يحمل في طيّاته تشكيكاً بأحد أو جماعة أو دولة أو تحريضاً عليها أو تلميعاً لأحد أو جماعة أو دولة.

ويتحمّل مسؤولية التصدّي لهذه المخاطر ثلاثة أطراف هي: المواطن العربي نفسه، ثم الإعلام العربي والقائمون عليه، ثم المثقف العربي. أما المواطن العربي فيتمثل دوره في ضرورة التأنّي في تصديق أي خبر أو رأي أو تكذيبه، ثم ضرورة عدم نشر ما يقتنع به من انطباعات سلبيّة تتشكل لديه نتيجة ما يسمعه أو يقرأه من أيّ مصدر، وهذا الدور يتساوى فيه المواطن العربي المتسلّح بالوعي والثقافة مع المواطن العربي ضحل الثقافة والمعرفة وسطحيّ التفكير، وفي كلّ الأحوال لا بدّ لهذا المواطن عندما يتريّث في الحكم على صحّة الخبر أو كذبه أو عدم دقّته أن يأخذ في الاعتبار مصدر الخبر والمستفيد منه أو المتضرّر منه وتوقيته ودقة صياغته وغير ذلك من الاعتبارات التي يقتضي الخبر أو المعلومة أو الرأي الالتفات إليها.

إنّ أخذ مصدر الخبر في الاعتبار قبل تصديقه أو تكذيبه يعني عدم إغفال المواقف المسبقة للجهة التي بثته والذين يديرونها وسياساتهم المعروفة والدولة التي تنتمي إليها وغير ذلك، إذ إن ارتباطات الجهة مصدر الخبر أو المعلومة وانتماءاتها السياسية والفكرية والمذهبية والطائفية ومواقفها المعروفة لا بدّ أن تترك آثارها على الخبر، ولذا وجب على المتلقي للخبر أو المعلومة قبل أن يصدّقهما أو يكذّبهما أن يجرّدهما من تلك الآثار وأن ينتبه لما قد يشوبهما من تهويل أو تهوين أو تلاعب باللغة.

وينبغي على المتلقي للخبر أو المعلومة أن يلاحظ توقيت بثّهما، لأنّ توقيت الخبر قد يعطي إيحاءاتٍ سلبيّة أو إيجابيّة إذا صادف حدثاً آخر له ارتباط بهذا الخبر أو المعلومة، وهو أمرٌ ذو تأثير كبير في نفس المتلّقي ووعيه. والأهمّ من ذلك مراعاة اعتبار المستفيد والمتضرّر من نشر الخبر أو المعلومة، فمتى كان ناشر الخبر أو المعلومة من المؤيدين للمستفيد والمعارضين للمتضرّر فإنّ الخبر يصبح في حاجة إلى مزيد من التقييم والمراجعة وعدم المسارعة إلى التصديق أو التكذيب.

وكي يتجنّب الناس الإحباط والتشاؤم وإمكانيّة إشاعتهما لا بدّ من أخذ الخبر أو المعلومة عن مصدرٍ له قدْر عالٍ من الموثوقيّة والمصداقيّة، وتجنّب أخذهما عن الناس العاديين المصابين بالتشاؤم والإحباط.

أمّا دور الإعلام العربي في مواجهة حملات صناعة التشاؤم وتأثيرات المصابين بالتشاؤم فهو أن يبقى الإعلاميون العرب في حالة يقظة وحذر، وأن يعملوا على نقل الخبر من مصادر موثوقة، وأن يجرّدوا الخبر من إيحاءاته الخارجة عن مضمونه ومحاولات توظيفه في الحرب النفسيّة.

ولمــّا كان الإعلام وسيلة من أهم وسائل مواجهة التشاؤم ومنع انتشاره فإنه لا يستغني عن أهل الفكر والرأي والثقافة والعلم الذين يقدرون على توفير المحتوى الفكري اللازم للإقناع والتأثير. وما دام الإعلام العربيّ والإعلام المقاوم للإحباط والتشاؤم يعاني من الضعف في مواجهة الإعلام الغربي والصهيوني، لأسباب كثيرة، فإن ذلك يلقي على عاتق المثقف العربي مسؤولية كبيرة في الاستمرار في توفير المضمون الفكري لوسائل الإعلام العربيّة لتمكينها من الاضطلاع بدورها في مواجهة الإعلام الغربي وحماية الإنسان العربي من الإحباط والتشاؤم.

إنّ العمل على الحدّ من التشاؤم ومواجهة صانعي التشاؤم وناشريه لا يعني إنكار الهزائم والتراجعات وحالات الضعف التي تمرّ بها الأمّة، بل يرمي إلى عدم التهويل في وصف تلك التراجعات، مثلما يرمي إلى عدم إنكار الإنجازات الإيجابية مهما قلّت وضرورة إبرازها وتشجيعها كي تبقى سبباً لاستنهاض الهمم ورفع المعنويات وشدّ العزائم.

Salahjarrar@hotmail.com











طباعة
  • المشاهدات: 2225
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
22-01-2025 09:35 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تسعى "إسرائيل" لتقسيم سوريا إلى كانتونات بحجة ضمان أمنها من تهديدات الفصائل المسلحة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم