23-01-2025 08:49 AM
بقلم : محمد خروب
فيما يمضي الرئيس الأميركي/ترامب, قُدماً في مسيرة «التناقض», التي سارَ عليها في رئاسته الأولى, على نحو لا يتردّد كثيرون في العالم, في وصفه شخصاً «لا» يُمكن التنبُؤ بمواقفه, خاصة مدى جِديّتها وقدرته على إلتزامها. وهو ما تجلّى بوضوح في الـ«مِئة» قرار تنفيذي, التي قام بتوقًيعها مُباشرة بعد خطاب القسَم, الذي القاه الإثنين الماضي. إذ في الوقت الذي زعمَ فيه رغبته بأن يكون «إرثه» كَـ«صانع سلامٍ ووحدة». مُكررا القول:أننا «سنضع حداً لكل الحروب ». فإذا به ــ على سبيل المثال ــ يُعيد «كوبا» الى قائمة الدولة الداعمة للإرهاب, مُبرراً ذلك بأن الجزيرة المُحاصرَة «أميركياً», منذ قرابة «70 » عاماً, تدعم نظام الرئيس الفنزويلي نيكولا مادورو.
وإجابة على سؤالين طُرِحا في نهاية الحلقة «الثانية» أمس/الأربعاء, حول تعريف الترامبية كـَ«أيديولوجية ما بعد الليبرالية»؟. والترامبية كَـ«إنكار للعولمة»؟. يقول الفيلسوف الروسي دوغين: الخطوط العريضة لـ«الترامبية كأيديولوجية» وفق وصف نائب الرئيس السابق/فانس لنفسه بأنه «ما بعد ليبرالي post-liberal». يعني «قطيعة كاملة وشاملة مع الليبرالية اليسارية», التي ترسَّخت في الولايات المتحدة في العقود الأخيرة. الدولة العميقة ــ أردفَ الكاتب ــ التي ليس لديها أيديولوجية على الإطلاق، مُستعدة اليوم (على ما يبدو) لتجربة مراجعة كبيرة للأيديولوجية الليبرالية، إن لم يكن تفكيكها بالكامل. وهكذا، أمام أعيننا، «تكتسِب الترامبية سمات أيديولوجية مُستقلة خاصة»، إذ تُعارِض بشكل مباشر الليبرالية اليسارية التي كانت مُهيمنة حتى وقت قريب جدًا. لافتا/دوغين ان «الترامبية كأيديولوجية» غير مُتجانسة ولها عدة أقطاب. لكن هيكلها العام واضح بدرجة أو بأخرى.
ماذا عن الترامبية كـ«إنكار للعولمة»؟ يُجيب الكاتب: ترفض الترامبية العولمة بـ«شكل قاطع ومفتوح»، أي التفكير على نطاق البشرية جمعاء كسوق واحدة ومساحة ثقافية، حيث يتم «محو الحدود بين الدول القومية بشكل متزايد»، ويتم إلغاء هذه الدول نفسها تدريجيًا، ونقل السلطات إلى سلطات فوق وطنية supranational authorities (كما هي الحال في الاتحاد الأوروبي). إذ يعتقد «العولمِيّون» أن هذا من شأنه أن يؤدي قريبًا إلى إنشاء حكومة عالمية، والتي يتحدث عنها كلاوس شواب وبيل غيتس وجورج سوروس بشكل مباشر. حيث يصبح جميع الناس على وجه الأرض مواطنين للعالم (كوزموبوليتانيّين), ويتلقّون حقوقًا متساوية في سياق بيئة, اقتصادية وتكنولوجية وثقافية واجتماعية واحدة. يمكن أن تكون أدوات ــ يلفِت دوغين ــ مثل هذه العملية، أو «إعادة الضبط الكبرى«/«Great Reset», وباءً وأجندة بيئية.
كان العالم الإسلامي ــ يقول دوغين ــ تقليديا عدواً للمحافظين الأميركيين اليمينيين. وجُزئيا، تُحدّد «الإسلاموفوبيا أيضا», الدعم غير المشروط لإسرائيل، بصرفِ النظر عن مدى تطرّف أفعالها. المجتمعات المُسلمة مُمثلة على نطاق واسع, في الولايات المتحدة نفسها وفي الغرب ككل، وفي نظر أنصار ترامب، «فهي عدو». وبالتالي، فإن الموقف تجاه «التعددية القطبية سيكون مُحددًا مُسبقًا إلى حد كبير, من خلال العمليات داخل أمريكا بالنسبة للترامبيين».
لذا، فإن الترامبية ــ يخلُص الكاتب ــ هي أيديولوجية, لها أبعاد سياسية وفلسفية وجيوسياسية. سيتم التعبير عنها تدريجيًا بشكل أكثر حِدة ووضوحًا، ولكن حتى الآن «ليس من الصعب تحديد سماتها الرئيسية».
اما عن الاتجاه «المؤيد لإسرائيل في الترامبية». يقول دوغين على ما ترجمَ د. زياد الزبيدي: الموضوع الأكثر أهمية (في الترامبية) في السياسة الخارجية, هو دعم إسرائيل واليمين المُتطرِّف في إسرائيل. لقد رأينا أن هذا ليس إجماعًا بين الترامبيين أنفسهم، حيث يوجد أيضًا ــ أردفَ الكاتب ــ جزء مُناهض لإسرائيل، ولكن بشكل عام فإن «الاتجاه الرئيسي هو مُؤيد لإسرائيل». وهذا يستنِد إلى (النظرية البروتستانتية لـ«اليهودية المسيحية»)، والتي تفترِض مجيء «المُوشياخ اليهودي», كلحظة تحوّل اليهود إلى المسيحية، وعلى الإنكار العام للإسلام. إن كراهية الإسلام لدى الترامبيين, تُغذِّي تضامنهم مع إسرائيل (والعكس صحيح)، وهو ما يخلق بشكل عام «أحد أهم توجّهات سياستهم في الشرق الأوسط».
في السطر الأخير... يُلخِص دوغين المشهد الأميركي بقوله: الأمر الرئيسي هنا هو ما يلي.. إن الدولة العميقة الأمريكية، بعد أن اعترفت بترامب، أدركتْ الحاجة الموضوعية, لمراجعة الاستراتيجية العولمية للولايات المتحدة, في المجالات الإيديولوجية، والجيوسياسية، والدبلوماسية، وما إلى ذلك. من الآن فصاعدًا كل شيء قابل للمراجعة. لقد تبيّن ــ يُضيف ــ أن ترامب والترامبية، أو بعبارة أعم «الشعبوية»، لم يكونا فشلاً تقنياً، ولا ماساً كهربائياً عرضياً، بل كانا تسجيلاً لأزمة حقيقية وجوهرية للعولمة، فضلاً عن نهايتها. إن «ولاية ترامب الحالية ليست مُجرّد حلقة في تناوب الديمقراطيين والجمهوريين»، الذين ينتهجون نفس الخط بشكل عام، تحت حماية ودعم الدولة العميقة, بصرف النظر عن نتائج الانتخابات الحزبية. هذه بداية ــ يختِم دوغين ــ تحوّل جديد في تاريخ الهيمنة الأمريكية. إنها «مراجعة عميقة لاستراتيجيتها وأيديولوجيتها وتصميمها وبُنيتها».
kharroub@jpf.com.jo
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-01-2025 08:49 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |