23-01-2025 09:29 AM
بقلم : الدكتور علي الصلاحين
فالحب وحده كقيمة مركزية يمكنه أن يدفع المتعلم لمزيد من العطاء والإبداع فما هو قيمي يبني ما لا يمكن أن تبنيه المعرفة ويصنع ما لا تصنعه الدرجة العلميةإن الاستراتيجيات المعرفية المفصلة لعمليتي التربية والتعليم التي تزخر بها الدراسات التربوية والمؤلفات التي تهتم بهذا الحقل الواسع الذي يعج بمفاهيم متعددة ومتجددة لا يمكنها أن تحقق الجودة المطلوبة في غياب تواجد حقيقي لقيمة الحب في الممارسة العملية، وإن تكاثفت الجهود وتكاثرت القوى لتكديس العلم والمعرفة في عقول المتعلمين وأذهانهم، أو ترغمهم بالإكراه بفعل قوة ما على تتبع السلوكيات السوية، فالمهارات والقدرات تنال برغبة ذاتية كما أن القيم لا ترسخ بالإجبار.وقد مضى زمن كان التعليم والتربية فيهِ بالشدّة والضربِ، وكان اكثر مسالك المعلّمين والآباء لم تختلف عن ذلك إلاّ قليلاً، ولم يأخذوا البديل المناسب في طرائق التربية والتعليم وأساليبها ولا يقتصر اللوم على المعلّمين والآباء فهم جزء من منظُومة المجتمع الثقافيّة والتربويّة، والذي تقوم علاقاته كلّها علَى هذا الأسلوب ومعَ غيبة التصوّر الصحيح للتربية الإسلاميّة فسمعنا عن التربية بالترفيه ،والاستقلاليّة في التربية التي يترك فيها تربية النشء دون سؤال، ونبقى أحوج ما نكون إلى نوع من التربية التي تلاحظ كينونة الطفل ألا وهي التربية بالحبّ !ودون إغفال الجوانب الأخرى لشخصيته حيث تحظى التربية بالحبّ برصيد هائل من الحضور في فطرة الإنسان ،فالإنسان مخلوق عاطفيّ بالدرجة الأولى تغلب عليه العاطفة، وتتحكّم بسلوكه، أكثر من عقله، أو مطالب جسده ،وهناك جملة من الحقائق ،ينبغي أن تكون حاضرة في تصوّر المربّي في تعامله مع الطفل الحبّ هو الأداة السحريّة في التأثير والتغيير : يُعتَبرُ الحبُّ أرقى أساليب التواصل الإنسَانيّ، الذي يحظى بالقبول العامّ من جميع الناس، على اختلاف أجناسهم وثقافاتهم وقيمهم فلا يختلفُ على تقديره والاعتراف به اثنان، فهو من رصيد الفطرةِ، الذي يأبى التحريف والتشويه ،ففي داخل كلّ إنسان سويّ وهاجسه طلبُ الحبّ والتطلّع إليه، فلا عجبَ إذا قُلنا إنّه الأداة السحريّة في التأثير والتغيير ،فالحبّ بصورة عامّة هي حالة منَ الانسجام النفسيّ، يعين الإنسان على أداء عمله بحيويّة وإيجابيّة ،ومَن كان الحبّ هاديه، فلن يشعر بالتعب مهما بذل من جهد، وواجه من العقبات ،فالحبُّ للعملَ مُتعَة نفسيّة ،يصبر معها الإنسان ،ولا يحسّ بالتعب والمعاناة، وهنا سيكون الإبداع والتألّق. وهنالك بون واسع بين مَن يرى عمله محنة، لا يعرفُ كيفَ يتخلّص منها، وبين من يراه متعة وكيف يكون عطاؤه وإبداعه،أيّها المربّي فعندما تبذر الحبّ تفتح لنفسك رصيداً لا يُنضب، بل يزيد مع الأيّام وينمو، من حيث لا ِتحتسب ولا تدري ،فالقلوب التي أحبّتك، وكان لك معها مواقف ومواقف ،لن تنساك، ولن تنسى معروفك معها وإحسانك، وإخلاصك وتضحيتك، ومواقفك التربويّة المؤثّرة
الحبّ يغيّر تفكير المتعلّم وأسلوبه ومواقفه فكثيراً ما يتّخذ بعض المتعلّمين موقفاً من التعلّم عامّة، أو من تعلّم بعض العلوم، لسبب من الأسباب، وربّما كان أهمّها موقف بعض المعلّمين منه أو سلوكه معه، وعندما يتهيّأ له المعلّم المحبّ، يغيّر له تفكيره وأسلوبه وموقفه ؛ فيقبل على العلم بشغف ويحبّ المادّة ومعلمها بعد أن كان يبغضها، ويكيّف حياته وسلوكه وفق ما يرضي معلّمه الذي احبه، ويقرّبه إليه وقد رأيت على ذلك من النماذجِ والأمثلة الكثيرَ في حياتي الثلاثون عاما قضيتها متدرجا، معلما وحتى ومديرا للتربية
فالحبّ قفزة من الكمّ إلى الكيف، ومن الخيال إلى الحقيقة فالأطفال الذين لا يتجاوبون مع معلّميهم، ويتّقون غضبهم وعقوبتهم بالأداء الظاهريّ للأعمال المطلوبة منهم، فتكون أعمالهم شكليّة غير منتجه، ويتدنّى تحصيلهم العلميّ تبعاً لذلك ،هؤلاء الأطفال إذا أحبّهم معلّموهم، وأحبّوا معلّميهم يكون لهم مع التعليم شأن آخر، ولن يقف تعليمهم عند الصورة الظاهرة، والأداء الشكليّ دون تفاعل واستجابة حقيقيّة، وإنّما سيكون أداء نوعيّاً متميّزاً، وإتقاناً مبدعاً
تحية محبة واحترام لكل من علم بحب ورحمة ومودة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-01-2025 09:29 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |