25-01-2025 10:29 AM
بقلم : نايف المصاروه
جاء في الأدب التشيكي قصة تقول، أنه فى إحدى الغابات أعُلِن عن وظيفة شاغرة للقيام بدور أرنب.
لم يتقدم أحدٌ للوظيفة غير دب عاطل عن العمل، و تم قبوله وصدر له أمر بتعيينه.
وبعد مدة لاحظ الدب أنّ في الغابة أرنبًا معيّناً بوظيفة (دب) ويحصل على راتب ومخصصات وعلاوة دب، أما هو فكل ما يحصل عليه مخصصات أرنب!
تقدم الدب بشكوى إلى مدير الإدارة في الغابة، وحُوِّلت الشكوى إلى الإدارة العامة، وتشكلت لجنة من الفهود للنظر في الشكوى، وتمّ استدعاء الدب والأرنب للنظر في الدعوى .
طلبت اللجنة من الأرنب أن يقدم أوراقه ووثائقه الثبوتية، ففعل ذلك، وقدم جميع الوثائق المنظورة التي تؤكد بأنه دُب.
ثمّ طلبت اللجنة من الدُب أن يُقدم أوراقه ووثائقه الثبوتية، فكانت كل الوثائق تؤكد أنّ الأرنب!
بعد ذلك صدر قرار اللجنة الإدارية في الغابة، بعدم إحداث أي تغيير على الحال، ويبقى على ما هو عليه، أي أن يبقى الأرنب دب، والدب أرنب بكل المقاييس والدلائل.
لم يستأنف الدب قرار اللجنة ولم يعترض عليه، ورضي بذلك، وعندما سأله من في الغابة، عن سبب موافقته على القرار أجاب: كيف أعترض على قرار لجنة "الفهود" والتي هي أصلاً مجموعة من "الحمير" وكلَ أوراقهم تقول إنهم فهود!
منذ أكثر من سبعين عاماً، وبالمكر والخديعة وسايكس بيكو والإنتداب وبلفور، إحتلت عصابات الهقانا وشتيرن الصهيونية وغيرها أرض فلسطين.
ثم ما لبثت أن تحولت تلك العصابات الإرهابية إلى دولة، تحظى بكل ما تحظى به الدول الأخرى، من إعتراف دولي ثم عضوية كاملة في كل الهيئات والمنظمات الدولية، فيما لم تتمتع فلسطين صاحبة الحق، بأي من المزايا أو الحقوق التي تحصلت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد ذلك سنوات من الحروب الإسرائيلية العربية، إحتلت إسرائيل بعض الأراضي العربية، كالجولان السوري، وسيناء المصرية، وبعض الأراضي الأردنية، ثم بدأ مسلسل التفاوض والسلام، وبموجب اتفاقيات السلام المشؤوم أعيدت سيناء لمصر كما أُعيدت الأراضي الأردنية.
وبقي الجولان محتلاً، وبقيت فلسطين كلها أسيرة تحت حراب وذل الاحتلال الإسرائيلي.
وتوسعت دائرة السلام ، من كامب ديفيد وغور الأردن إلى أوسلو، وما تبعها من إتفاقيات السلام الإبراهيمي،
وتلوح في الأفق نوايا لاستكمال مسلسل التطبيع والسلام.
ومن يستعرض واقعنا العربي، يجده مطابقا تماما، لقصة الأرنب والدب، فقد رضي بعضنا بواقع الإحتلال، كما ترك بعضنا حق المقاومة والكفاح لإسترداد الحقوق المغتصبة ، بل إن ذلك أصبح مُجرّماً ومحرّماً.
ولكن العدو الإسرائيلي المحتل والمجرم، لم يتوقف عن إجرامه وأفكاره التوسعية، لتحقيق حلمه بدولته الكبرى، والتنادي إلى أرض الميعاد.
وليحقق ذلك أغار سابقا على دول الجوار كسوريا ولبنان، وضرب العمق العراقي، واخترق كل القوانين والمواثيق الدولية.
فكانت غزة هي الشوكة والعقبة الكؤود، في طريق تحقيق ذلك الحلم الموعود ، وبتحريض وتآمر وتواطئ دولي، وخذلان عربي وإسلامي، أغار العدو الصهيوني على غزة عدة مرات، فقتل وجرح وشرد الآلاف ، وهدم البيوت على من فيها.
وبعد الحدث الفارق الذي كان في يوم 7 من أكتوبر عام 2023 ، أعاد العدو الصهيوني، كرّة عدوانه على غزة مرة أخرى، وبشكل أوسع وأشمل وأظلم، وبعد أن أمضى قرابة 470يوما من الحرب الشرسة والظالمة ، إرتكب فيها كل أنواع الجرائم، قتل وجرح وتشريد وإبادة واضطهاد ، طالت الإنسان والحجر والشر.
وبموجب اتفاق الهدنة الذي جرى مؤخراً، توقفت الحرب على غزة مؤقتاً، أقول مؤقتاً، لأن الإحتلال سينقض عهده وهذا دينه وديدنه، وما هي إلا بضع أسابيع وربما أقل وستعود إسرائيل إلى حربها على غزة.
وفي نفس اليوم الذي توقفت فيه الحرب الإسرائيلية على غزة، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي، بشن حرب أخرى على مدينة جنين ومخيمها، وحتى اللحظة تدور أعمال تلك الحرب، تخللها عمليات إعتقالات واسعة النطاق، طالت العشرات من الفلسطينين ، ويرافقها عمليات تدمير للبنية التحتية، وتنكيل وعمليات إعدام ميدانية، ظمن عملية عسكرية متواصلة، قالت عنها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بأنها لن تتوقف.
سلسلة من الجرائم التي لم يسجل التاريخ الإنساني مثيلا لها، وعلى مرأى ومسمع العالم كله، بما فيها هيئاته الدوليه ومنظماته الإنسانية وبكل دوله ودويلاته بشكل عام، والعربي والإسلامي بشكل خاص.
دول كبرى صدعت رؤوس الخلق، بكثرة الطرح والتنمق عن الديمقراطية ، وإدعائها زورا بحفظها لحقوق الإنسان من الخرق أو التعدي، وإذا بها تعين العدو الصهيوني الظالم، على القتل والتشريد،بإعانته وتقديم كافة أشكال الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي له.
وهيئات ومنظمات دولية، وقفت موقف المتفرج، ولا تزال تقف عاجزة عن القيام بواجباتها، لتسجل في صفحات تاريخها، أكبر فضيحة على التواطئ والكيل بمكيالين .
وأما دولنا العربية والإسلامية، فقد وقفت وبكل أسف وأسى ، موقف المتفرج مسلوب الإرادة والقدرة والقوة ، لا تملك إلا عبارات الشجب والإدانة والإستنكار والتحذير ، ولتسجل في صفحات التاريخ الحديث، أعظم وأخزى صور الخذلان.
لا أدري وتحت أي مسمى، يقبل بعض العرب على أنفسهم، أن تستثمر مئات المليارات من أموالهم في أمريكا، وهي الداعم الأول لكيان الإحتلال الإسرائيلي، عسكريا وسياسيا واقتصاديا!
أليس بلاد العرب أولى أن تستثمر فيها تلك المليارات؟
ولا ادري وتحت أي مسمى يقبل بعض العرب والمسلمين، على أنفسهم أن تقام في بعض بلدانهم حفلات صخب وطرب،تباع لأجلها ثمن التذكرة الواحدة ب 275 دينار!
أليس أطفال غزة وأيتامها، وأهل الحاجة أولى بذلك؟
ووجه آخر مظلم وأسود، إذ تقوم السلطة الفلسطينية، بإطلاق يد القوة والبطش لقواتها الأمنية، بإعتقال المقاومين، والاعتداء عليهم،في معظم المدن الفلسطينية، مما يؤكد إعانتها وتواطئها مع الإحتلال، بدلاً من إعانة ذوي القربى في الدم والهم والنسب!
ختاماً.. أقول لكل عربي حر وشريف، إن الرضى بحالة الأرنب والدب، لا يقبل به إلا الجبناء ومسلوبي الكرامة والإرادة ، وإن الرضى بواقع الإحتلال، والقعود عن حق المقاومة والتحرر، سمات لا يقبل بها إلا أهل الذل والهوان.
وتذكروا... إن العربي المسلم، يأبى ثم يأبى أن يكون أسيراً في بيته،خائفا يترقب، قعيدا لا يسير في دروب ذوي الهمم والمعالي، وتذكروا جيداً، أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض .
وأقول لأهل فلسطين، كل فلسطين، إن دائرة الأيام ستدور على كل مكان في فلسطين وستتجاوزها ، ولكن البداية هي فلسطين... ، تمهيدا للتوسع، نحو تحقيق الحلم، بإسرائيل الكبرى ، وهو أيضاً ما وعدهم إياه ترامب في دعايته الانتخابية، لتوسيع رقعة وخارطة إسرائيل.
فلا تقبلوا بواقع الاحتلال، لأنه وهم وباطل وزائل، واحذروا من الخوف من الموت ببنادق واسنة الأعداء، فإن أجل الله واقع لا محالة فإما حياة تسر الصديق، وإما موت يغيظ العدى.
فهبوا يا أهل فلسطين، ولا تتركوا جنين وحدها، كما تركت غزة من قبل وحدها...؛
أشعلوا فلسطين، كل فلسطين، بثورة التحرر والتحرير التي لا تنطفئ نارها.
وإني أختم ببعض مما قاله وكتبه، مصطفى صادق الرافعي.
غريزة الكفاح يا شباب،،،،، هي التي جعلت الأسد لا يُسَمَّن كما تُسَمَّن الشاة للذبح.
وإذا انكسَرَتْ يومًا،،.، فالحجر الصَّلْدُ إذا ترَضْرَضَتْ منه قطعة،،،، كانت دليلًا يكشف للعين أن جميعه حجر صلد.
كاتب وباحث مسلم
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-01-2025 10:29 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |