حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,27 يناير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2471

غسان عبد الخالق: المكان والزمان والإنسان هم من يصنعون الحياة معًا

غسان عبد الخالق: المكان والزمان والإنسان هم من يصنعون الحياة معًا

غسان عبد الخالق: المكان والزمان والإنسان هم من يصنعون الحياة معًا

26-01-2025 08:18 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - هو الذي صعّب عليَّ أمر الحوار! فأن تحاور رجلاً مثقفاً واسع الاطلاع، كمن يذهب في سفر بعيد عبر بحر عظيم بقارب صغير. وأمام هذا المعلّم أجد نفسي تلميذة لا تبرح أول السطر، لتتعلم حروف الهجاء. هو الذي بدأ سيرته (بعض ما نسيته) قائلاً: «ما أسهل أن تروي حكايات الآخرين وما أصعب أن تروي حكايتك!»، وقد جدت نفسي اقرأ الحكاية بتأثر شديد، لأن ما حملته من ظروف ومراحل بدتْ لي صعبة، لكنّ صاحبها صنع من الصعب إنجازاً ما زلنا نقرأه بفخر، وقدم لنا سيرةً خاليةً من الهزائم والرثاء. كانتْ العقبات تمنحُ بطلها دافعاً للانتصار في معاركه، أما لغته الرصينة الرشيقة فقد كُتبتْ بروح مشرقة وبأسلوب مشوّق، يدفعك دائماً للتفكّر والتدبّر لأن المعنى العميق سهم لا يخطئ الهدف. إنه الأديب والناقد والمفكّر والأكاديمي الأردني الأستاذ الدكتور غسان عبد الخالق، الذي بدأ منهجه في النقد العربي واقعيًّا نقديًّا ثمَّ استقر ناقدًا ثقافيًّا، وتمثَّل منهجه الآخر في الفكر العربي بالعقلانية النقدية؛ فهو يصنَّف من مفكِّري التيار الحداثي في الوطن العربي، وقد صدر له كثير من المؤلّفات في حقول الفكر والسرد والنقد.

الصامتون هم من يثيرون فينا ضجيج الأسئلة، وسؤالي الأول هو: الأماكن والأزمنة، وحرصك الدائم على الاحتفاظ بها في جعبة ذاكرتك وحديثك. من (ترقوميا) في فلسطين إلى حي (الغُويرية) في الزرقاء، إلى الحي الذي تقطنه الآن في إحدى مناطق عمان الغربية. هذه الأمكنة والأزمنة المرافقة لها، كيف أثّرتْ على الدكتور غسان عبدالخالق؟
- المكان والزمان والإنسان هم من يصنعون الحياة معًا، وهم من يكتبون الذاكرة معًا. ولأن المكان –عندي- شخص حي ويتنفّس، ولأن الزمان –عندي- مارد جبّار، فإنني لم أكف عن التفاعل معهما منذ أن وعيت العالم. سنوات الطفولة المبكّرة جدًا في فلسطين وما شهدته من ألعاب ومغامرات، ما زالت تتسلل إلى أحلامي، إلى درجة أنني أتمنى (مثلاً) أن أعود إلى (ترقوميا) بحثًا عمّا خبّأته من ألعاب في مغارة جدي! ولكن طفولتي الواعية في (الغويرية) بالزرقاء، هي العشّ الحقيقي بتعبير غاستون باشلار، لأنها تُؤكل وتُشرب وتُشمّ، ولأنها حافلة بالأحداث الدراماتيكية، مثل إقدامي على مغادرة البيت واجتياز الزقاق الطويل وصولاً إلى الشارع العام؛ حتى أرى واسمع الناس الذين كان ضجيجهم البعيد يصل مسامعي. ومثل عودة والدي مغبّرًا من وحدته العسكرية وهو يرتدي ملابسه الكاكية ويمتشق بندقيته بعد معركة الكرامة. وبغض النظر عما أعقب ذلك من قفزات باتجاه إربد ثم باتجاه عمّان، فإنني ما زلت أراني شاباً في السابعة عشرة من عمري، وقد رتّبت رفوف مكتبي، وأنهيت واجباتي المدرسية، وسوّيت سريري، لأتمدّد فوقه بسعادة غامرة، قبل أن أستغرق في التفكير أو في قراءة كتاب مثير.

لماذا بدأت الجزء الأول من سيرتك الذاتية (بعض ما أذكره)، بتخوفك من كتابة السيرة أو بتخوفك الشديد من مواجهة طفولتك والكتابة عنها؟
- كل كتاب أشرع فيه يسبقه ويرافقه ويتلوه خوف شديد، ولكن الإقدام على كتابة السيرة بوجه عام، ما زال محفوفًا بكثير من المحذورات الموضوعية والذاتية في الوطن العربي؛ فالمجتمع العربي مجتمع جوّاني ولا يتفّهم البوح الشفّاف، وخاصة إذا تعلّق هذا البوح بالسياسة أو الدين أو الجنس. كما أن السيرة الذاتية ما زالت قرينة البطولات والإنجازات الخارقة في الثقافة العربية، وليست قرينة التجارب الإنسانية المؤثّرة. وهي عمومًا –عند العرب وغيرهم- أشبه بالتعرّي في الشارع العام. وإذا نظرتِ بعين الاعتبار إلى حقيقة أنني أستاذ جامعي مولع بتدريس السيرة الذاتية لطلابي من منظور موضوعي ونقدي صارم، صار بمقدورك أن تتخيلي تخوفي الشديد من الوقوع في الأخطاء التي طالما استفضت في إبرازها لطلاّبي، كلّما توقّفت معهم عند هذه السيرة أو تلك، وصار بمقدورك أيضًا أن تضيفي إلى كل المخاوف السابقة الخوف الأكبر؛ الخوف من مواجهة الطفولة، بقلقها وتوترها وآلامها وانكساراتها وبردها وجوعها وحزنها، وكل ما يجتهد ملايين الأطفال في الوطن العربي والعالم، لدفنه في أعمق أعماق عقلهم الباطن، حتى يتمكّنوا من مواصلة حيواتهم، وحتى يبتسموا ويرتدوا ملابسهم ويواصلوا مشوار الدراسة والعمل، وحتى يعشقوا ويتزوجوا وينجبوا أطفالاً أكثر سعادة، وحتى يتمكنوا من النوم بعمق، دون كوابيس وأحلام مفزعة.

في كثير من اللقاءات والحوارات تحدثتَ عن (واقعيتك المتوحشة)! كيف يجب على المثقف في هذه الأيام أن يفهم هذه الواقعية ويرتكز عليها في قراءَته لما يدور حوله؟ وهل عليه أن يعتنق هذه الواقعية لينجو مما وصل إليه من تخبّط؟
- مع ضرورة التنويه إلى حقيقة أن (الواقعية المتوحشة) التي أقصدها، هي تعبير مجازي أو استعارة مقصودة أهدف من خلالها، إلى إحداث أكبر قدر من الصدمة اللازمة لتبديد كثير من الأوهام السائدة؛ فإن على المثقف الآن أن يتوقّف عن النوّاح والاستجداء بكل الصور والمضامين، الإنسانية والسياسية والاجتماعية والفكرية. عليه أن يغادر شرنقة الزمن الجميل، وأن ينضج ويعمل ويقرأ ويكتب وينشر، دون أن يُشعر الجميع بالذنب، لأنه مثقف فقط! عليه أن يمتلك الشجاعة الكافية للجلوس أمام رزمة الأوراق البيضاء، كي يكتب ويشطب ويمزق ويكتب. عليه أن يتوقف عن إدارة أسطوانة الإلهام المشروخة، وألا يُقرف الآخرين بخرافة مزاجه الإبداعي! وباختصار عليه أن يواجه الواقع والحقيقة والعالم، وأن يدرك –مثله مثل أي شخص منتج على وجه هذه البسيطة- أن عمله في الكتابة ليس رخصة للّدلال!

كيف تقرأ المشهد الثقافي في الأردن وفي الوطن العربي؟ أين وصلنا؟
- هذا من أكثر الأسئلة تردّداً في الحوارات الثقافية العربية، وسوف أبادر للإجابة عنه حتى لا أُتهم بالتهرّب من المسؤولية. المشهد الثقافي في الأردن امتداد للمشهد الثقافي العربي، بإيجابياته وسلبياته. هناك حَرَاك ثقافي فائض جدًا عن الحد المطلوب، ولكنه الأكثر ترجمة للمثل المشهور (تسمع جعجعة ولا ترى طحنًا)! لأن هذا الحَرَاك كمي في معظمه ونوعي في أحيان قليلة. ومن الملاحظ أن الاستعراض والرغبة في الظهور هو الميسم الأبرز له. كما أن العلاقات العامة والإعلان الفج يمثّلان ميسماً آخر من مياسمه. ولا يفوتني طبعًا الإشارة إلى أن عدم الفصل بين المثقف والناشط الثقافي قد خلط الأوراق تمامًا، وخاصة في زمن الفيسبوك! هناك أيضاً حماسة للشعر والقصة الرواية، ولكن هناك انفضاضاً مؤسفًا عن النقد الرصين ومباحث الفكر المعاصر، إلى درجة أنني لا أتوقف عن المقارنة بين عصر النهضة الأدبية التي حلّقت على أجنحة النقاد والمفكرين العرب، وعصرنا الثقافي الراهن الذي بات يضيق ذرعًا بالجدّية والعمق المصاحبين لمناهج النقد والتفكير.
كيف ترى مخرجات التعليم؟ وهل لها تأثير على المشهد الثقافي والفكري؟
- مع ضرورة النظر بعين الاعتبار الشديد، إلى حقيقة أن تكنولوجيات الاتصال والتعليم، قد أحدثت تغييراً عميقًا في أدوات ومعايير وأهداف التعليم؛ فإنني ومن واقع خبرتي الميدانية الطويلة متفائل بمخرجات التعليم في الأردن، استنادًا لما ألمسه يوميًا من مبادرات طلابية فردية وجمعية. صحيح أن هناك تفاوتًا قد يصل حدود الارتباك أحياناً على صعيد المعايير الواقعية والموضوعية لتقييم المخرجات، لكنني ما زلت أعتقد بأن مخرجات التعليم تضم الكتلة الحرجة اللازمة للتغيير والتقدم المطلوب. وبالمنظور نفسه يمكنني القول: إن هذه الكتلة الحرجة التي ألمسها يوميًا، تمتلك تأثيرًا إيجابيًا على المشهد الثقافي والفكري، من خلال الإقبال على الحضور الوجاهي أو الافتراضي للمحاضرات والندوات والمؤتمرات، أو من خلال الإسهام الفاعل في الحوارات، أو من خلال الاقتناء اللافت للكتب الورقية أو الإلكترونية، أو من خلال الكتابة الإبداعية الواعدة في حقول المقالة والخاطرة والقصة والمسرحية.

هل صادفتَ طالباً مجتهداً وقارئًا نهماً ومحباً للعلم؛ يحب معلّميه ويزورهم، ويخلص للعلم رغم ظروفه المعيشية الصعبة، كما كان غسان عبد الخالق في صباه وشبابه؟
- يسعدني جداً أن أقول: لقد صادفت على امتداد السنوات الثلاثين الماضية، عشرات الطلاب النجباء والعصاميين. كما يسعدني أن أضيف: بعضهم ألهمني وزادني تشبثًا بقيم الحق والخير والجمال. لقد كنت محظوظًا جداً لأنني امتلكت الفرصة كي أحقق كثيراً مما حلمت به وأن أحكي قصتي. وأتمنى أن يحالف الحظ هؤلاء الطلاب الذين تومض أسماؤهم الآن في مخيلتي. أتمنى أن يحققوا ما حلموا به وأن يحكوا قصص كفاحهم الرائعة والجميلة.

ماذا يحمل الدكتور غسان عبد الخالق من أمنيات ومشاريع للعام الجديد؟
- أرجو أن يعم الأمن والأمان العادل كل ربوع الوطن العربي الذي ما انفك ينزف منذ ربع قرن. أما بخصوص مشاريعي الشخصية المنظورة؛ فهناك ثلاثة كتب جديدة أعمل عليها؛ واحد عن الواقعية السحرية، وآخر عن النقد الحضاري، وثالث يضم عددًا من الحوارات الأساسية مع أبرز المفكرين والنقاد والمبدعين في الوطن العربي. وأما بخصوص إعادة نشر الكتب القديمة، فأنا أعمل أيضًا على إصدار المجلّد الثاني تحت عنوان (دراسات نقدية)، وهو يضم سبعة كتب نفدت نسخها من الأسواق، أُسوة بالمجلد الأول (أعمال نقدية).











طباعة
  • المشاهدات: 2471
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
26-01-2025 08:18 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم