26-01-2025 11:47 AM
بقلم : يوسف رجا الرفاعي
لم يعد لتكرار القول والحديث عن اختلال الموازين في النظام العالمي بمجمله ما يثير الانتباه او الفضول ،
فقد استمرأ الناس واعتادوا على ان يروا ظُلمَ الظالم بل اشدّ من ذلك وأقسى إذ مكَّنُوا له وهيأوا له كل الظروف ليطغى ، فاستكبَر دون خوف من العقاب واستعلى ،
منذ انطلاق هذا الطوفان وكل المراقبين للمشهد يرون اثر موجه الهادر وهو يضرب شرقا وغرباً طولاً وعرضاً بغض النظر عن إفصاحهم عما يرون من تغيرات دراماتيكية او عدم الإفصاح فالواقع على الارض هو ابلغ وأوضح .
المشهد الاستثنائي الوحيد الذي اخترق كل البروتوكولات العالمية المتعارف عليها منذ قرن من الزمن ما حصل يوم امس في مشهد ليس ككل المشاهد فهو مشهد احتوى في مدّة تنفيذه القصيرة جداً على رسائل غير مكتوبة تحمل من العناوين ما تعجز عن وصفه الالسن وتَحارُ في فهمه العقول ،
رسائل هذا المشهد لا تُحصى ولا تُعد ؛
اولى هذه الرسائل الى الجامعات والمعاهد العسكرية
وثانيها الى القادة العسكريين والجنرالات
وثالثها الى القادة العسكريين الميدانيين
ورابعها الى كبرى شركات تصنيع الأسلحة وذخائرها
وخامسها الى صناع القرار السياسي الذي يَبني عليه العسكريين خططهم
وسادسها الى العالم اجمع ،
فلكلٍ منهم ما يحمله هذا المشهد من واقعٍ قابلٍ للقياسِ عليه كلٌ في مجال تخصصه وعَمَلِه
وما يثير الفضول الى ابعد مدى في هذه البنود هو رابعها ، وهنا لا بدّ من وقفه ؛ بصفتي الشخصية التي لا تعرف من العلوم العسكرية شيئا على الاطلاق وامثالي كثُر ، وبكثير من السذاجة او السطحية او البراءة نتساءل! هذه الاسلحة التي ما بقي نوع من انواعها الخفيفة والمتوسطة والثقيلة ، الجوية منها والبرية والبحرية إلا واستُخدِمَت في هذه الحرب واذا صَحَّ ما كنا نسمع من انه تم استخدام عشرات الالاف من الاطنان بل مئات الآلاف من الاطنان التي تم القائها على ذلك الشعب الاعزل في تلك المنطقة المحدودة المساحة جداً والتي لو استُعمِلَت ككراج للآليات العسكرية التي اشتركت في تلك الحرب ما وَسِعَتها !!
وهنا نأتي بآراء بعض الخبراء العسكريين الذين لهم رأي في ما استُخدِمَ من سلاح وقوَّته إذ يقولون انه أشد فتكاً وبأضعاف مضاعفة عن قوَّةِ وشدَّةِ القنبله الذرية التي أُلقيَت على هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين وانها كفيلة بأن لا تبقي ولا تذر ، وانها لو القيت على دولة عظمى كما اصبح يعلم ويعرف الجميع لاستسلمت ،
وهنا نؤكد على التساؤل ونقول كيفَ إذاً بقيَ مَن بقي وكيف خرجَ من تلك الحرب احياء ولو كانوا بضع مئات
هل كانت كل القنابل والصواريخ والبنادق والمدافع تُطلِقُ الورود والزهور !! أم كان الدُخان المُتصاعدِ للسماء دُخانَ بَخُور !! أم كانت تلك المصانع تعبئها
طَحينَ قمحٍ مقشور !!
مئة عام او يزيد لم ير العالم هذا المشهد المهيب ،
فالحديث ليس عن دولة مقابل دوله ولا عن جيشٍ نظاميٍّ يقابل جيشاً نظاميّ ، وليست امكانيات بشرية ومادية تقابل مثيلاً لها ، فكل شيء مختلف ،
والحديث عن الاختلاف في الجوهر اضافة الى المظهر فجوهر الحدث انه ليس مقتصراً على حدود مكان الحدث وانما الحديث عن التغير الشمولي الذي حدث في صُلبِ معتقداتٍ زائفةٍ دامت لأمدٍ طويلٍ كانت فيما مضى تُعتَبَرُ ثوابت لا يمكن الخروج عليها ،
شكلاً ومضموناً ربما يتفق الكثير معي في النظرة على سبيل المثال الى اوروبا على انها كانت مثالاً يُحتذى في الانسانية والعدل والحرية وإذا بالطوفان يكشف عنها الغطاء لنرى الحقيقة الصادمة ، ولستُ مُبالغاً اذا ما قلتُ اننا لو رأينا اوروبا تخرج عن بكرة ابيها وتنتحر بشكل جماعي كما تنتحر الحيتان على الشطئان حزناً على كلبٍ أعرج لما صَدَّق ذلك بعد اليوم احد، فقد انتهت صلاحية ذلك الوهم الذي رُوِّجَ له طوال عقود.
لا غرابة في مشهد تنصيب الرئيس ولا شيء يثير الاهتمام فالرئيس قادر على فعل ما يريد بما لديه من مليارات وماكينات تطبع تريليونات من الدولارات وبما لديه في بنوكه من ودائع ورهونات وبما لديه من ثروات وبما لديه من امكانيات هائلة وقدرات صناعية وسلطة مالية قادرة على انفاذ كل امر بغض النظر عن طبيعة هذا الامر اكان فيه عدل ام كان ظلماً وقهر ، فالأدوات والامكانات قادرة على التنفيذ ، ولكنه بكل الاحوال لا يستطيع بكلّ ما يملكه ان يُغيِّر التاريخ .
الغرابة كلها في المشهد الخارج عن المألوف ،
حربٌ عالمية مُعلَنَه على الملايين من المدنيين في بُقعَةٍ من الارض مُغلَقه يخرج في نهايتها مواكب من الشباب في عرضٍ عسكريٍّ بهيٍّ اذهلَ العالم اجمع ،
مشهدٌ سيجعل المعاهد والجامعات العسكرية تُعيدُ قراءة مناهجها العسكرية ونظرياتها الحربية مِن جديد مشهدٌ غير مسبوق لنتائج الحروب المتكافئة المتناظرة فكيف إذا كانت بين دولٍ عظمى ومدنيين فيهم شباب يدافعون عنهم بإمكاناتٍ محدودةٍ بسيطةٍ جداً ، ما يميزهم ان في صدروهم إيمان ويقين ، وقضية كبرى عنها يدافعون ، ويملكون قلوب أُسُود ، يُغيِّرون تاريخاً مُشيناً جرى فيه ظُلمٌ شديد ويكتبون بعظيم فِعلِهم تاريخاً عالمياً جديداً مَجيد ،
أيها المُشَكِّكونَ المُتسائِلون ، الجواب هو ما رأيتم
لا كما تتوهمون. .
يوسف رجا الرفاعي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-01-2025 11:47 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |