26-01-2025 04:52 PM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
تابع العالم قبل أيام حفل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية، والذي قام بمجرد أدائه اليمين الدستورية بإصدار مجموعة من الأوامر التنفيذية ألغى بموجبها العديد من القرارات التي صدرت في عهد الرئيس السابق بايدن. فقد أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من اتفاقية باريس للمناخ ومن منظمة الصحة العالمية، كما قرر تشديد إجراءات الهجرة إلى أميركا، وتغيير شروط منح الجنسية للمولودين على الأراضي الأميركية.
ويقصد بالأوامر التنفيذية لغايات الدستور الأميركي تلك التوجيهات التي يصدرها رئيس الدولة بشكل منفرد للتعامل مع القضايا العاجلة التي لا تحتمل التأخير، والتي قد يعيق الكونغرس الأميركي إصدارها في حال عرضها عليه بسبب الانقسامات الحزبية بين أعضائه. فهذه الأوامر لا ترقى إلى اعتبارها قانونا ثابتا؛ بالتالي تمتاز بسهولة تعديلها وإلغائها وذلك بناء على الصلاحيات التقديرية للرئيس الأميركي.
ويبقى الشرط الرئيسي في إصدار هذه الأوامر التنفيذية ألا تخالف أحكام الدستور، فهي تخضع للرقابة القضائية للتحقق من مدى مطابقتها للنصوص الدستورية. وهذا ما حدث بالفعل، حيث أصدر قاض اتحادي في مدينة سياتل الأميركية في اليوم التالي لتولي ترامب منصبه الرئاسي قراره القضائي بإلغاء الأمر التنفيذي الصادر بمنع اكتساب الجنسية تلقائيا بالولادة في الولايات المتحدة، وذلك بحجة مخالفته للدستور.
إن تفرد الرئيس ترامب في إصدار هذه الأوامر السيادية دون تشاور مع أحد سببه الرئيسي طبيعة نظام الحكم الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية الذي يقوم على أساس تركيز السلطة في يد رئيس الدولة وغياب أي مظهر حقيقي من مظاهر التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وقد أجمع فقه القانون الدستوري على أن النظام الرئاسي يقوم على ركنين أساسيين؛ أولهما وحدة السلطة التنفيذية وحصرها في يد الرئيس المنتخب، الذي يتمتع بصلاحيات واسعة في إدارة شؤون الحكم بصفته رئيسا للدولة ورئيسا للحكومة في الوقت ذاته. وهو الترتيب الدستوري الذي يمنحه سلطات واسعة لاتخاذ العديد من القرارات التنفيذية دون الحاجة إلى موافقة البرلمان عليها.
أما الركن الثاني في النظام الرئاسي فيتمثل بوجود فصل جامد ومطلق بين السلطات، وتحديدا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. فلا يملك الرئيس دعوة البرلمان إلى الانعقاد أو التدخل في أعماله. في المقابل لا يستطيع أي عضو في البرلمان توجيه الأسئلة والاستجوابات له، أو طلب طرح الثقة بالوزارة أو أحد أعضائها وذلك نظرا لغياب المسؤولية الوزارية أمام النواب المنتخبين.
وفي مقابل النظام الرئاسي هناك نظام الحكم البرلماني الذي يقوم على أساس إعطاء الشعب فرصة أكبر في إدارة شؤون الدولة تتجاوز حقهم في انتخاب الرئيس، حيث يختار أفراد الشعب السياسي نوابا ممثلين عنهم في البرلمان، ويتم تفويضهم الصلاحيات الدستورية للقيام بأعمال التشريع والرقابة على أداء الحكومة.
وعليه، فإن رئيس الدولة في النظام النيابي يكون منفصلا عن شخص رئيس الحكومة، وتتنوع نطاق صلاحياته الدستورية بين ممارسة سلطات فعلية حقيقية والتدخل في إدارة شؤون الدولة ضمن إطار الملكية الدستورية المطلقة، أو أن يكون منصبه رمزيا تنتقل كافة سلطاته إلى رئيس الوزراء المنتخب وتبقى الحقوق الدستورية المحدودة المناطة به يمارسها بناء على نصيحة رئيس الحكومة، وذلك ضمن إطار الملكية الدستورية المقيدة.
وبالعودة إلى نظام الحكم الرئاسي الأميركي، نجد بأن الرئيس المنتخب يتمتع بصلاحيات واسعة على الأصعدة التنفيذية والدبلوماسية والعسكرية؛ فهو يقوم بتنفيذ القوانين الاتحادية التي يضعها الكونغرس ويصدر الأنظمة اللازمة لهذه الغاية. وعلى الصعيد الدبلوماسي، يمارس الرئيس الأميركي سلطات واسعة تتعلق بإدارة السياسة الخارجية وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية، كما يُعتبر على الصعيد العسكري القائد الأعلى للجيش يتولى قيادة العمليات العسكرية، وله اختصاصات قضائية واسعة تشمل منح العفو الرئاسي وإلغاء العقوبات الجنائية أو تخفيض?ا أو إيقاف تنفيذها.
وعلى الرغم من غياب أي علاقة دستورية واضحة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إلا أن الدستور الأميركي اشترط موافقة الكونغرس على بعض القرارات الرئاسية، أهمها تعيين كبار الموظفين الاتحاديين من سفراء وقضاة المحكمة الاتحادية العليا، وإبرام المعاهدات الخارجية، والتصويت على الميزانية. كما أعطى الدستور الأميركي مجلس النواب الحق في اتهام رئيس الدولة في حالة ارتكابه جرائم معينة، على أن تتم محاكمته أمام مجلس الشيوخ.
في المقابل، يملك الرئيس الأميركي وسائل تأثير على الكونغرس أهمها حقه في الاعتراض على القوانين التي يجري إقرارها والموافقة عليها، وحقه في توجيه رسائل إلى مجلس الشيوخ تتضمن لفت انتباههم إلى موضوعات تشريعية معينة، إذ لا يملك الرئيس الحق في اقتراح القوانين.
هذا على خلاف الحال في النظام البرلماني الذي يقوم على أساس التشاركية في عمليتي التشريع والرقابة. فرئيس الحكومة في النظام البرلماني يكون مسؤولا أمام مجلس النواب المنتخب الذي يملك الحق الدستوري في منح الثقة لحكومته وسحبها منها في أي وقت إذا لم تؤدِّ مهامها بشكل مُرضٍ، على أن يثبت للرئيس الحق في حل المجلس المنتخب، وذلك ضمن إطار الفصل المرن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-01-2025 04:52 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |