27-01-2025 08:48 AM
بقلم : نادية سعدالدين
يُعبر الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" في مواقفه تجاه القضية الفلسطينية عن وجه "للصهيونية المسيحية"، التي يتبناها أيضاً معظم أعضاء إدارته، عندما يتماهى مع مخطط "نتنياهو" بطرح مقترح استقبال الأردن ومصر لسكان قطاع غزة، إلى حين انتهاء مرحلة إعادة الإعمار، وهي بذلك وصفة جاهزة للتهجير وتحويل "المؤقت" إلى "حل دائم" بالتوطين.
لطالما رفضت عمان والقاهرة أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم. ولا شك أن فشل الاحتلال في تنفيذ مخطط تهجير سكان غزة إلى سيناء، توطئة لتكرار المشهد في الضفة الغربية نحو الأردن، والاستيلاء على كامل الأرض الفلسطينية، قد اصطدم بصمود الشعب الفلسطيني وصلابة المقاومة، إلى جانب الموقف الأردني والمصري الصلب المناهض لتهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة.
إلا أن الاحتلال لن يكل؛ في ظل وجود مناصري مشروعه الاستعماري التوسعي داخل البيت الأبيض. فتهجير أصحاب الأرض للاستيلاء عليها واستيطانها يدخل في ديدن أدبيات "الصهيونية المسيحية" تحت ذريعة "الخلاص"، أو عقيدة "المسيح المخلص"، وهي أبرز المعتقدات الدينية اليهودية الزائفة، حيث الزعم بالوعد الإلهي لليهود ببعث نبيٍ ينقذهم ويخلصهم من العذاب.
و"الماشيح" أو "المسيح المنتظر" في الفكر اليهودي ليس إنساناً عادياً، بل سماوياً خلقه الله تعالى قبل الدهر على أن يبقيه في السماء إلى حين تأزف ساعة إرساله في نهاية التاريخ، فيظهر في "جبل ميرون" في الجليل ومن ثم يتوجه من هناك سيراً على الأقدام إلى القدس، التي اكتسبت لدى المتدينين قيمة دينية وفق ذلك الاعتقاد، إبان تجميع شتات اليهود المنفيين والعودة بهم إلى الأرض المقدسة وتحطيم "أعداء إسرائيل" في "معركة هرمجدون"، التي تؤمن بها وتروج لها "الصهيونية المسيحية"، فيعم السلام بظهوره ويتخذ أورشليم عاصمة له تمهيداً لإعادة بناء "الهيكل" المزعوم.
ورغم أن "فكرة العودة" ليست جديدة، حيث آمن بها عامة اليهود تقريباً بزعم إعادة بناء "الهيكل" وإقامة مملكة سليمان تحت قيادة المسيح المنتظر، غير أن الصهيونية التفـت عليها بالدعوة "لعودة اليهود" إلى "أرض الميعاد" تحت مظلة المنظمة الصهيونية العالمية وبالعنف المباشر ضد أصحاب الأرض الفلسطينيين، لتسريع مجيء "المخلص".
شكلت "الصهيونية المسيحية" أحد أبرز معاول تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين، إزاء تبنيها لفكرة إعادة اليهود إلى أرضهم الأم حتى يتسنى الإسراع في هدايتهم وتحويلهم إلى المسيحية، كشرط أساس لحلول العصر الألفي السعيد (ألف عام سيحكم فيها المسيح المخلص العالم ويسودها السلام والطمأنينة). وهي أفكار انتعشت في أوروبا منذ القرن السادس عشر بين صفوف اليهود وغير اليهود، إلى أن وصلت ذروتها في القرن التاسع عشر، عصر الإمبريالية.
وبما أن الأسطورة الدينية تتكيف مع الواقع الاقتصادي والتاريخي، فقد تحولت من مجرد فكرة دينية تؤكد عودة اليهود إلى فلسطين بغية تحقيق النبوءة الإنجيلية لتصبح برنامجاً استعمارياً يضمن عودة اليهود الاستيطانية لفتح الأسواق، بوصفهم مجرد جماعة يمكن توطينها في فلسطين لخدمة المصالح الاستعمارية. وقد توافق الاقتراح الصهيوني لحل "المسألة اليهودية" مع الصيغة الاستعمارية الأوروبية لحل مشاكل المجتمع الغربي حينها، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
ولعل الإدراك هنا بأن الكيان الصهيوني مجرد مستعمَرة تابعة ذات وظائف وفوائد محددة يشكل صفة مميزة لجميع التيارات الصهيونية، اليسارية واليمينية والدينية، وبالتالي، لا يمكن فهم حروب الاحتلال المتكررة فهماً كاملاً إلا بوضعها داخل إطار المصالح الإمبريالية في الشرق الأوسط. ويأتي مقترح "ترامب" بتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم في نفس هذا السياق "النفعي"، ولكنه لن يجد طريقه للنفاذ.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-01-2025 08:48 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |