28-01-2025 09:37 AM
بقلم : أ.د. اخليف الطراونة
في تصريح أثار جدلاً واسعاً؛، أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فكرة ترحيل سكان غزة إلى مصر والأردن، ما يعكس رؤية تتسق مع توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف تجاه تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها. هذا الطرح الذي يُعيد إلى الواجهة طموحات إسرائيلية قديمة لتقويض الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة، يأتي في سياق توتر إقليمي وسياسات أميركية داعمة لإسرائيل بشكل غير مسبوق.
لطالما كان قطاع غزة، الذي يعاني من حصار طويل الأمد وصراعات متكررة، بؤرة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. يُصوَّر القطاع في الخطاب الإسرائيلي على أنه عبء أمني يستدعي التخلص منه، بينما يُستخدم بوصفه ذريعة لتبرير سياسات الهدم والتهجير. لكن فكرة ترحيل السكان ليست جديدة؛ فقد طرحت إسرائيل منذ العام 1948 خططاً مشابهة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسراً من أراضيهم التاريخية.
في السياق السياسي، يُعد تصريح ترامب امتداداً لسياسته الداعمة لإسرائيل اثناء فترة رئاسته الأولى، التي تجلّت في قرارات مثل: نقل السفارة الأميركية إلى القدس؛ وطرح «صفقة القرن»، والتي اعتُبرت محاولة صريحة لتصفية القضية الفلسطينية. فكرة ترامب بترحيل سكان غزة تتجاوز كونها اقتراحاً عابراً؛ فهي تحمل دلالات استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة الديموغرافية والسياسية في المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
تنطوي هذه الفكرة على تداعيات خطرة بالنسبة لمصر والأردن، باعتبارهما الدولتين المستهدفتين لاستقبال المهجّرين من وجهة نظر ترامب. بالنسبة للأردن، الذي يستضيف بالفعل أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، فإن أي خطوة بهذا الاتجاه قد تهدد توازناته السكانية وتضغط على موارده الاقتصادية، ما يزيد من حالة التوتر الداخلي. أما مصر، التي تعاني من تحديات اقتصادية وأمنية، وبخاصة في سيناء، فسترى في هذا الطرح تهديداً مباشراً لأمنها القومي واستقرارها الداخلي، لا سيما أن استقبال سكان غزة قد يفتح الباب أمام أزمات أمنية وسياسية?معقدة.
على المستوى الفلسطيني، فإن مثل هذا الاقتراح يُمثل تصفية فعلية للقضية الفلسطينية، حيث يتم انتزاع الفلسطينيين من أرضهم وتجريدهم من حق العودة، ما يؤدي إلى ضرب الهوية الوطنية الفلسطينية في الصميم. هذا السيناريو يخدم، بشكل واضح، أهداف إسرائيل في ترسيخ واقع الاحتلال وتوسيع سيطرتها على الأراضي الفلسطينية، بينما يُضعف موقف السلطة الوطنية الفلسطينية ويهدد الوحدة الوطنية.
في ظل هذه التداعيات، يمكن استشراف سيناريوهات عدّة لمآلات هذا الطرح. إذ من المرجح أن تواجه الفكرة رفضاً حاسماً من قبل الأطراف الإقليمية، خصوصاً مصر والأردن، اللتين تدركان خطورة مثل هذه المخططات على استقرارهما الداخلي وقد أعلن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين فوراً رفضها. على الجانب الآخر، قد تسعى إسرائيل إلى تصعيد سياسات الحصار والضغط على سكان غزة لدفعهم إلى النزوح القسري بوسائل غير مباشرة. هذا السيناريو، رغم خطورته، قد يواجه معارضة دولية واسعة نتيجة التداعيات الإنسانية الكارثية التي ستترتب عليه، وكذلك?رفض الغزيين مغادرة أرضهم وبالتالي ازدياد وتيرة العنف.
لكن هناك احتمال ثالث يتمثل في أن يؤدي هذا الطرح إلى إعادة تفعيل الزخم الدولي حول القضية الفلسطينية، ما قد يدفع الدول العربية والمجتمع الدولي إلى التحرك بشكل أكثر جدية لإيجاد حلول عادلة وشاملة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ترتكز على القرارات الدولية وحقوق الفلسطينيين المشروعة.
للتعامل مع هذا التحدي، ينبغي على الدول العربية تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة هذه المخططات، مع التركيز على تدويل القضية الفلسطينية عبر المحافل الدولية، مثل: الأمم المتحدة؛ ومحكمة الجنايات الدولية. كما يجب على الفلسطينيين تبني استراتيجية شاملة تجمع بين المقاومة الشعبية والدبلوماسية النشطة لإحباط أي محاولات تهدف إلى ترحيلهم من أراضيهم أو تقويض حقوقهم التاريخية.
تصريح ترامب بترحيل سكان غزة يكشف عن رؤية خطرة تستهدف تقويض القضية الفلسطينية من جذورها. ورغم الصعوبات التي تواجه تنفيذ هذه الفكرة، إلا أن مجرد طرحها يعكس جدية التهديدات التي تستهدف المنطقة بأسرها. الأمر يتطلب وعياً وتحركاً حاسماً من الفلسطينيين والعرب للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني والتصدي لهذه المخططات بكل الوسائل المتاحة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-01-2025 09:37 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |