حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,30 يناير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2364

د. صلاح جرّار يكتب: الاحتلال ومرض جنون العظمة

د. صلاح جرّار يكتب: الاحتلال ومرض جنون العظمة

د. صلاح جرّار يكتب: الاحتلال ومرض جنون العظمة

29-01-2025 09:03 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. صلاح جرّار
ليس من العدْل إلقاء اللوم بمرض جنون العظمة على المصابين بهذا المرض دون غيرهم، فأيّ مرضٍ يصابُ به الإنسان لا يمكن أن يكون خيارًا طوعيّاً له إلاّ ما ندر، وإنّما يحلّ المرضُ بأيّ إنسانٍ نتيجة ظروفٍ تحيط به وأسبابٍ تؤدي إليه، ومرضُ جنون العظمة ليس مستثنى من هذه القاعدة، إذْ إنّ مَنْ يصابُ به تتهيأ له ظروفٌ وأسبابٌ تؤدي إلى إصابته به، وكلّما ازدادت قوّة هذه الظروف والأسباب ازدادت معها قوّة المرض ودرجته وخطورته.

والمصابون بهذا المرض في هذه الأيّام في إدارات الولايات المتّحدة الأمريكية وزعماء الكيان الصهيوني المحتلّ للأرض الفلسطينية بلغوا مستوىً متقدّماً وخطيراً في إصابتهم، أخذت آثاره تتجلّى في ما يشهده العالم عموماً والمنطقة العربية والإسلامية خصوصاً من أحداث تنذر بكوارث ومآسٍ إنسانيّة، بل إنّ بعض هذا الجنون كالذي شاهدناه في شخصية رئيس الحكومة الصهيونية نتنياهو قد أدّى بالفعل إلى كارثة إنسانية مروّعة في غزّة وما زال يهدّد بمزيد من الكوارث في الضفّة الغربيّة وفي بلدان عربيّة وإسلاميّة أخرى تحت ذرائع مختلفة.

ولمرض جنون العظمة كما لسائر الأمراض الأخرى تعريفات وأسبابٌ وأعراضٌ ونتائج، لكنّ الأسباب والأعراض تختلف في هذا المرض من فئة مصابة إلى فئة أخرى، فالمصابون به من رجال الأعمال لهم أسباب وأعراض تختلف عن الأسباب والأعراض لدى المصابين به من الفنانين على سبيل المثال، والمصابون به من أساتذة الجامعات تختلف لديهم الأسباب المباشرة والأعراض عن تلك التي لدى المصابين به من رؤساء المؤسسات ومديري الدوائر، والمصابون به من الزعماء والرؤساء وقادة الدول لهم أسبابهم الخاصة وأعراض مختلفة للمرض، وعلى الرغم من هذا الاختلاف من فئة ?لى فئة في أسباب المرض وأعراضه إلاّ أنّ ثمة أسباباً وأعراضاً عامّة مشتركة، حيث يعرَّفُ مرض جنون العظمة (Grandiose delusion) بأنّه نوعٌ من الوهم يعتقد فيه الشخص المصاب أنّه يمتلك قابليات استثنائية وقدرات جبّارة ومواهب مميّزة خارقة تجعله غير عاجزٍ عن عمل أيّ شيء يرغب في عمله، وقد تختلط هذه المشاعر بشيء من الهذيان والهلوسة والشعور بأنّه مستهدف من الآخرين لكونه شخصاً عظيماً ومتميّزاً. ومن أسبابه- وهي كثيرة- تعرّض الفرد لتجارب سابقة في الفشل والإحباط. ومن أعراضه، وهي كثيرة أيضاً، الهلوسة وكثرة الكلام والمبالغة و?داع الناس وادّعاء العظمة والتفوّق في المجالات التي يهتمّ بها.

والمصابون بهذا المرض من السياسيّين والزعماء وقادة الدول، لهم في إطار هذه الأسباب والأعراض العامّة، أسبابهم وأعراضهم الخاصّة المرتبطة بمجالات اهتمامهم، ولو أخضعنا شخصية رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو لتعريفات هذا المرض وأعراضه لوجدنا أنّها تنطبق عليه بصورة جليّة وأنّه مصابٌ بهذا المرض وبمستوى متقدّم، بدليل ظهور مثل هذه الأعراض وبصورة صارخة في تصرفاته وتصريحاته، فهو يعتقد أنّه صاحب قدرات جبّارة وخارقة وأنّ له اليد الطولى التي يستطيع من خلالها الوصول إلى أيّ من أعدائه في أيّ مكان، يضاف إلى ذلك أنّه كثير الثرثر? والكلام وأنّه يبالغ في مطالبه مثل مطلب النصر المطلق على أعدائه والقضاء التامّ عليهم مستخدماً في ذلك كلّ ما أمكنه من توظيف اللغة المتطرّفة وألوان الكذب والخداع، ويشفع ذلك بما يعرف بلغة الجسد، بل إنّه يبالغ في استخدام لغة الجسد مثل ابتسامة التشفّي وضمّ قبضة يده ورفعها أو الضرب بها على الطاولة، وإمالة عنقه ومدّها، وهزّ رأسه يميناً وشمالاً، وزمّ شفتيه، ودفع صدره إلى الأمام وغير ذلك، وفي تصريحاته كثير من الكذب والتناقض، والسبب في هذا التناقض أنّ الشخص المصاب بهذا المرض الذي يرى نفسه قادراً على كلّ شيء يعتقد أن?ه يمتلك الحقّ في تغيير كلامه ووعوده وتعهداته كيفما بشاء.

ومن أعراض هذا المرض في شخصية نتنياهو شعوره بأنّه وعصابته مستهدفون من غيرهم، ولذلك نجده يردّد دائماً أنّه يحارب على سبع جبهات بمعنى أنّ أعداءه كثيرون وأنّهم يستهدفونه بسبب تميّزه عنهم وكونه ينتمي إلى مجتمع متخضّر وديمقراطي وأخلاقي.

أمّا الأسباب التي أدّت إلى إصابة نتنياهو بهذا المرض العضال فهي كثيرة، أهمّها أن الصهاينة الذين يمثلهم نتنياهو قد تعرّضوا لصفعةٍ غير مسبوقة في تاريخهم على يد المقاومة الفلسطينية يوم السابع من تشرين الأول عام 2023 في عملية طوفان الأقصى، وأنّ نتنياهو بهذه الشخصية المصابة بمرض جنون العظمة يحاول محو آثار تلك الصفعة، ومن المعروف أنّ المصاب بهذا المرض يعاني من الشعور بالاضطهاد من قبل الآخرين وأنّ السبب لاضطهاده من قبلهم هو كونه شخصاً عظيماً ومهّماً للغاية، ولذلك يدّعي الصهاينة دائماً أنّهم مظلومون وأنّ غيرهم ظالم? لهم ويتهّمون كلّ من يخالفهم أنّه معادٍ للساميّة.

وأثبتت الدراسات أنّ من أهمّ أسباب هذا المرض تعرّض الفرد للإحباط ومواقف الفشل، وهذا ما تعرّض له نتنياهو وبصورة قويّة في السابع من تشرين الأوّل.

إلاّ أنّ أهمّ أسباب إصابة نتنياهو وعصابته بهذا المرض غياب ردّة فعل عربيّة وإسلامية وعالمية مناسبة للجرائم التي ارتكبها والاعتداءات التي قام بها على دولٍ عربيّة كثيرة، واستقواؤه بالولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبيّة، وأنّ تصعيد جرائمه بالقتل والحرق والتدمير والإبادة لم تحاول أي دولة أن تردعه، ممّا أدخل في وهمه أنّه يمتلك أن يفعل كلّ ما يريد وما يقرّر دون أيّ عائق أو معترض.

ولمــّا كان هذا المرض خطيراً على المريض نفسه وعلى من حوله من الناس، فلا بدّ من تغيير الظروف التي تغريه بممارسة هذا الجنون، وفي حالة نتنياهو وعصابته لا بدّ من ردعه بكلّ الوسائل الممكنة وإثبات أنّ هناك من يستطيع أن يتفوّق عليه بالقوّة والإمكانيات والقدرات والمواهب.

Salahjarrar@hotmail.com











طباعة
  • المشاهدات: 2364
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-01-2025 09:03 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تسعى "إسرائيل" لتقسيم سوريا إلى كانتونات بحجة ضمان أمنها من تهديدات الفصائل المسلحة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم