30-01-2025 09:21 AM
بقلم : د. رعد التل
تنقسم المساعدات الخارجية التي يتلقاها الأردن إلى ثلاثة أنواع رئيسة: أولاً، المنح الاعتيادية والإضافية، وتشمل المنح الموجهة لدعم الموازنة العامة لتمويل المشاريع التنموية أو المشاريع القطاعية، والمنح الموجهة لتمويل مشاريع ذات أولوية يتم تنفيذها بالتنسيق مع الجهات المعنية. ثانياً، القروض التنموية، وهي تمويلات ميسرة بشروط ملائمة، تشمل فترات سداد طويلة وأسعار فائدة منخفضة، لتنفيذ مشاريع رأسمالية وتنموية ذات أولوية. ثالثاً، الدعم الفني وبناء القدرات، الذي يهدف إلى تطوير القدرات المؤسسية والفنية من خلال تقديم درا?ات، خبراء، معدات، برامج تدريبية، وبعثات دراسية.
بحسب أرقام وزارة التخطيط والتعاون الدولي، بلغت قيمة المساعدات الخارجية من المنح والقروض المقدمة للأردن خلال النصف الأول من العام 2024 حوالي 2.067 مليار دولار. تشمل هذه المساعدات المنح الاعتيادية (583.59 مليون دولار)، والقروض الميسرة (1.350 مليار دولار)، ساهمت بها جهات مانحة متعددة، منها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، المملكة العربية السعودية، كندا، الكويت، ألمانيا، المملكة المتحدة، ودول أخرى إلى جانب البنك الدولي، البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، ومؤسسة التمويل الدولية.
وبحسب تقرير وحدة التمويل الأجنبي الصادر عن وزارة التخطيط (المحدث لشهر حزيران 2024)، بلغ حجم التمويل الأجنبي المقدم للجمعيات والشركات غير الربحية والجمعيات والاتحادات التعاونية حوالي 26.6 مليون دينار أردني، وذلك لتنفيذ 175 مشروعًا بعد حصولها على موافقة مجلس الوزراء. تصدرت الولايات المتحدة الجهات المانحة بنسبة 42.1% من إجمالي التمويل، تلتها الاتحاد الأوروبي بنسبة 9.9%، ثم ألمانيا بنسبة 8.1%.
مؤخراً، أتى قرار الرئيس الأميركي بوقف المساعدات عن الأردن خلال الأشهر الثلاثة القادمة، وقد أثار هذا القرار العديد من التساؤلات حول تداعياته المحتملة على الاقتصاد الأردني. فالمساعدات الأميركية للأردن، كما تظهر الأرقام، تُعد جزءًا أساسيًا من العلاقة بين البلدين، حيث ظلت الولايات المتحدة على مدى عقود من أكبر الداعمين للأردن ماليًا وسياسيًا. ومع ذلك، قد يكون هذا القرار فرصة لإعادة تقييم استراتيجية الاعتماد على المساعدات الخارجية وبناء اقتصاد أكثر استقلالية ومرونة.
بحسب الأرقام المعلنة، فإن 70% من المساعدات الخارجية تذهب كدعم مباشر للموازنة والتي تشكل المنح الخارجية بها ما يقارب 7% فقط من مجموع الايرادات العامة. وقد وقع الأردن في 9 كانون الأول الماضي على مذكرة منحة أميركية بقيمة 845.1 مليون دولار كجزء من مذكرة تفاهم بين الولايات المتحدة والأردن لعام 2022 بقيمة 10.15 مليار دولار، تهدف لدعم الموازنة والتعليم والرعاية الصحية وتوفير المياه في الأردن.
بالنسبة للأردن، فإن المتتبع لمسار اقتصاده تاريخياً سيكتشف بسهولة ووضوح قدرته ومرونته الكبيرة على التعامل مع الأزمات. فقد مر الأردن واقتصاده بمنعطفات أشد خطورة من الأوضاع الإقليمية الحالية وخرج منها أكثر صلابة. صحيح أن الدعم الخارجي يشكل عنصرًا أساسيًا لضمان استقرار الاقتصاد وتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، لكن استمرار الاعتماد على المساعدات الخارجية وبلا شك سيدفع باتجاه التأثير على الاستقرار الاقتصادي. فالمساعدات غالبًا ما تأتي بشروط ترتبط بمصالح الدول المانحة، كما أن الاعتماد على المساعدات يؤدي إلى تأخي? تحقيق التنمية المستدامة ويضعف من قدرة الدولة على مواجهة الأزمات بشكل ذاتي.
بالمقابل، يمتلك الأردن إمكانيات غير مستغلة في قطاعات عدة، مثل الزراعة والصناعة والسياحة. فعلى سبيل المثال، يمكن لتحفيز الاستثمار في القطاع السياحي وحده أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 5% سنويًا. وبدلاً من التركيز على آثار القرار على المدى القصير، يجب أن يكون وقف المساعدات دافعًا للحكومة للبحث عن حلول طويلة الأمد تسهم في بناء اقتصاد قوي ومستدام، منها تعزيز الإنتاج المحلي، وتشجيع الصادرات، وتنويع الشركاء التجاريين الدوليين. كما أن تحسين استغلال الموارد الطبيعية، مثل الفوسفات والبوتاس، وتعزيز الش?اكات مع القطاع الخاص يمكن أن يقلل من العجز في الميزانية بشكل تدريجي.
إحدى التجارب التي يمكن الاستفادة منها هي التجربة السنغافورية، حيث نجحت الدولة في تحويل اقتصادها من اقتصاد معتمد على الدعم الخارجي إلى أحد أقوى الاقتصادات العالمية من خلال الاستثمار في التعليم، والتكنولوجيا، والبنية التحتية. والأردن أيضًا يمتلك كوادر بشرية مؤهلة يمكن الاستفادة منها إذا تم توفير البيئة المناسبة للابتكار والإبداع.
تقدر نسبة الاعتماد على الذات في موازنة 2025 بحوالي 86% (تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية) بزيادة عن نسبة موازنة 2024 التي كانت 81.6%. من المؤكد أن قرار وقف المساعدات خلال الأشهر القادمة سيؤدي إلى ضغوط متزايدة على الموازنة العامة، مما قد ينعكس على قدرة الحكومة على تمويل المشاريع التنموية وتوفير الخدمات الأساسية. إلا أن الأثر السلبي لن يكون كبيرًا إذا ما استغلت الحكومة هذا التحدي كفرصة لإعادة النظر في النهج الاقتصادي القائم، وإعادة ترتيب الأولويات، وبناء اقتصاد أكثر استقلالية. تحقيق ذلك يتطلب رؤية است?اتيجية واضحة وجهودًا متواصلة لتنويع مصادر الدخل وتنمية القطاعات الإنتاجية. فالاعتماد على الذات ماليًا ليس خيارًا سهلاً، لكنه الطريق الوحيد لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للأردن وشعبه.
رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-01-2025 09:21 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |