بقلم : د. رعد التل
شكل تعزيز الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين الاتحاد الأوروبي والأردن خطوة مهمة في مسار التعاون بين الجانبين حيث يسعى الاتحاد الأوروبي لدعم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في الأردن من خلال حزمة مالية تقدر بثلاثة مليارات يورو للفترة بين 2025 و2027 تشمل منحًا بقيمة 640 مليون يورو واستثمارات بحوالي 1.4 مليار يورو وقروضًا ميسرة بقيمة 1 مليار يورو مما يعكس التزام أوروبا العميق بمساندة الأردن في مواجهة التحديات الإقليمية والاقتصادية

هذه الشراكة تعكس التزام الاتحاد الأوروبي بدعم رؤية الملك عبدالله الثاني للإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري وتعزيز مرونة الاقتصاد الأردني من خلال جذب الاستثمارات وتحقيق نمو مستدام في القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا الرقمية والطاقة الخضراء والسياحة المستدامة والصناعات الدوائية مما يسهم في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة تعزز الاستقرار الداخلي وتفتح المجال أمام مزيد من التعاون الاقتصادي والتجاري بين الأردن والدول الأوروبية.

يتركز هذا التعاون على خمسة مجالات رئيسية أولها تعزيز العلاقات السياسية والتعاون الإقليمي عبر دعم السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وتعزيز الحوكمة الرشيدة والديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال آليات تعاون مستدامة مثل القمم الثنائية المنتظمة والتنسيق المستمر في إطار الاتحاد من أجل المتوسط

المجال الثاني يشمل الأمن والدفاع حيث يعمل الجانبان على تعزيز التعاون في مكافحة التهديدات الأمنية المشتركة مثل الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات بالإضافة إلى دعم القوات المسلحة الأردنية عبر آليات مثل مرفق السلام الأوروبي كما يتضمن التعاون تعزيز الأمن السيبراني والتصدي للهجمات الإلكترونية والتهديدات الهجينة

أما على الصعيد الاقتصادي فإن الشراكة تسعى إلى تعزيز مرونة الاقتصاد الأردني عبر دعم الإصلاحات الهيكلية التي تعزز النمو وخلق فرص العمل كما يتم التركيز على تفعيل الإمكانات الكاملة لمنطقة التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والأردن وتشجيع الاستثمارات المستدامة في قطاعات حيوية مثل المياه والطاقة والتحول الأخضر لتعزيز الاقتصاد القائم على الكفاءة في استخدام الموارد كما يتم تعزيز التعاون في مجالات الرقمنة وريادة الأعمال والابتكار

من جهة أخرى تحظى تنمية رأس المال البشري بأهمية كبيرة في هذه الشراكة حيث يتم العمل على سد فجوة المهارات وتعزيز التعليم المهني والتقني وتحقيق شمولية أكبر في سوق العمل من خلال برامج تدريبية وتعليمية تسهم في زيادة الفرص الوظيفية وتعزز بيئة ريادة الأعمال.

أحد أبرز محاور التعاون يتمثل في قضايا الهجرة واللاجئين حيث تسعى أوروبا والأردن إلى إدارة شاملة لملف اللاجئين إضافة إلى تعزيز إدارة الحدود والتصدي لعمليات التهريب والاتجار بالبشر كما سيتم العمل على إيجاد حلول دائمة للاجئين تشمل المسارات التكميلية للحماية والعودة الطوعية الآمنة والكريمة بالتعاون مع المنظمات الدولية.

يمثل هذا التعاون فرصة فريدة للأردن لتعزيز اقتصاده وتوسيع قاعدة الشراكات الاستثمارية والتجارية مع أوروبا مما يمكنه من الاستفادة من برامج الدعم المالي والاستثماري الأوروبي لتطوير البنية التحتية ودعم المشاريع التنموية التي تحقق التكامل الاقتصادي الإقليمي كما يعكس التزام الاتحاد الأوروبي العميق بالوقوف إلى جانب الأردن في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بما يعزز الاستقرار الإقليمي ويفتح آفاقًا أوسع للتعاون المستقبلي.

إضافة إلى ذلك فإن هذه الشراكة ستفتح آفاقًا جديدة للشركات الأردنية للوصول إلى الأسواق الأوروبية مما يتيح فرصًا أوسع للصادرات الأردنية ويعزز من تنافسية المنتجات الوطنية كما ستتيح هذه الشراكة فرص تبادل الخبرات والتقنيات الحديثة بين الشركات الأوروبية ونظيراتها الأردنية مما يسهم في تطوير قطاع الصناعة والتكنولوجيا في الأردن ويدعم مسار التنمية الاقتصادية المستدامة.

ومن المتوقع أن تسهم هذه الشراكة في الدفع باتجاه تحقيق نمو اقتصادي يتراوح بين 3% و 3.5% سنويًا خلال السنوات القادمة كما يُتوقع أن تخلق الاستثمارات الأوروبية الجديدة آلاف الوظائف في القطاعات المختلفة مما يعزز من استدامة الاقتصاد الأردني ويرفع من مستوى المعيشة للمواطنين.

يعكس هذا التعاون المتجدد مدى أهمية الأردن كشريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي ودوره المحوري في تحقيق الاستقرار الإقليمي إذ يبرز الأردن كداعم أساسي لجهود التهدئة في غزة ومركز إقليمي للمساعدات الإنسانية كما يسهم بشكل فاعل في دعم سوريا في مسارها الانتقالي مما يعزز موقعه كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط.

رئيس قسم الاقتصاد - الجامعة الاردنية


الراي