02-02-2025 08:50 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
على الرغم من الضغوطات الأميركية المتزايدة على الأردن لاستقبال الفلسطينيين من قطاع غزة، يبقى الموقف الرسمي ثابتاً كما هو لن يتغير، يقوم على أساس الاعتراف للشعب الفلسطيني بحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وذلك وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
إن الأردن القوي بقيادته الهاشمية قد أرسل رسائل واضحة وفي مناسبات عديدة بأن حل القضية الفلسطينية لن يكون على حساب أمنه الجيوسياسي، وأن هناك حالة من التناغم والانسجام الكامل بين الموقفين الرسمي والشعبي الذي عبّرت عنه كافة القوى السياسية والحزبية الوطنية، والتي تدعم الأسس التي تحكم علاقة الأردن بفلسطين. فرغم القواسم المشتركة بين الشعبين المتجاورين، إلا أن الأردن يبقى دولة للأردنيين، وأن للفلسطينيين الحق في إنشاء دولتهم الخاصة بهم والعيش بأمن وسلام كباقي شعوب العالم.
ومع ذلك، لا بد من التفكير بآليات وطنية جديدة تدعم الموقف الأردني من القضية الفلسطينية، الذي يمثله جلالة الملك والحكومة التي تشترك معه في تشكيل السلطة التنفيذية. وهنا تتجه الأنظار نحو السلطة التشريعية التي يجب أن تمارس دورها الدستوري المناط بها باعتبارها تضم مجلس نواب منتخباً من الشعب يُعبر عن إرادته ويمارس السلطة باسمه ونيابة عنه.
فمجلس النواب ومن بعده مجلس الأعيان، مدعوان إلى تقديم اقتراح بقانون يحظر تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى الأردن، بحيث يجري تقنين الموقف الأردني الرافض لتصفية القضية الفلسطينية في قالب تشريعي وطني يُجرّم اتخاذ أي قرارات مستقبلية في هذا الإطار، ويفرض عقوبات على أي من هذه الأفعال ويعتبرها من صور جرائم الخيانة العظمى لغايات تطبيق قانون محاكمة الوزراء لعام 1952.
وتتمثل التبعات الإيجابية لإصدار تشريع أردني يمنع استقبال الفلسطينيين وتسكينهم خارج وطنهم بإضفاء مشروعية دستورية على الموقف الحازم لجلالة الملك وحكومته الرافض لمقترح نقل الأخوة الفلسطينيين خارج وطنهم، والذي سيعتبره القانون الأردني جريمة تطهير عرقي لغايات القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر النقل القسري للمدنيين في حالات النزاع، وتعتبر أي محاولة لتهجيرهم عن أراضيهم جريمة ضد الإنسانية وصورة من صور التطهير العرقي.
إن الدول الغربية ومن ضمنها الولايات المتحدة الأميركية تقدم نفسها على أنها دول ديمقراطية تسعى إلى تعزيز الحريات الفردية وحق الشعب في المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة العامة، وتحذر من التفرد في إدارة الشؤون العامة للدولة.
وعليه، فإن إقرار قانون أردني يمنع تهجير الفلسطينيين بموافقة ممثلي الشعب في البرلمان ومصادقة جلالة الملك عليه وفق الأصول الدستورية سيرسل رسالة وطنية حاسمة بأن الشعب الأردني بكافة أطيافه ومكوناته يرفض المساس بوحدته الوطنية، وبأنه حريص على تماسك جبهته الداخلية وعدم زعزعة أمنه واستقراره في حال إجبار أشقائه الفلسطينيين على ترك وطنهم الأم، وهو الأمر الذي ستكون له تبعات سلبية على الأمن القومي الأردني وستمتد آثاره نحو الإقليم والعالم.
كما سيعزز هذا القانون الوطني من الموقف الرسمي الأردني من رفض جريمة التهجير القسري التي يجري التخطيط لارتكابها في قطاع غزة وفي مناطق أخرى من فلسطين. فجلالة الملك سيتمسك في لقاءاته الدولية والعربية برفضه فكرة الوطن البديل بأن شعبه الأردني لا يقبل بهذا المشروع، وبأنه من خلال نوابه المنتخبين قد أصدر قانونا وطنيا واجب الاحترام والتنفيذ يرفض التهجير ونقل الفلسطينيين إلى الأردن. فمبدأ سيادة القانون الذي جرى تكريسه في المادة (6) من الدستور يقوم على أساس وجوب احترام القواعد القانونية من قبل كل من الحاكم والمحكوم.
إن هذا التوجه القائم على أساس تدعيم الموقف الرسمي بقوانين دستورية تتبناه دولة الاحتلال، حيث أصدر الكنيست الاسرائيلي العديد من القوانين الوطنية التي دعمت موقف الحكومات المتطرفة في مواجهة الفلسطينيين، وذلك من خلال إجازة الاستيطان وبناء المستوطنات والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتجويع السجناء الفلسطينيين وتعذيبهم. فمن أبرز التشريعات الإسرائيلية التي ساهمت في تعزيز سياسة تهويد المدن الفلسطينية، قانون القومية اليهودية الذي ينص على أن حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يثبت فقط لليهود، وأن القدس الكبرى والموحدة هي عاصمة إسرائيل.
كما أصدر الكنيست الإسرائيلي العديد من القوانين العنصرية الأخرى أهمها قانون الطوارئ الذي يجيز حبس الأطفال الذين تقل أعمارهم عن أربعة عشر عاما في حال ارتكابهم «أعمالا إرهابية»، وقانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية. وهناك مشروع قانون يجري اليوم إقراره من قبل الكنيست يسمح للإسرائيليين بتسجيل أنفسهم كمالكي أراض فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.
فهذه القوانين الإسرائيلية كانت دائما ما يتم اعتبارها تشريعات ذات طبيعة دستورية نظرا لغياب دستور مكتوب في إسرائيل، ويتم الاستناد إليها لإضفاء شرعية وطنية على السياسة الصهيونية الاستعمارية في فلسطين. بالتالي، يكون إصدار قانون أردني يمنع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم خير وسيلة للرد على هذه الممارسات العنصرية وعلى المطالبات الدولية المتكررة للأردن بقبول سياسة التهجير القسري.
أستاذ القانون الدستوري - عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-02-2025 08:50 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |