حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,3 فبراير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 898

تأملات في ديوان "تصحو في الغياب" لسميرة عبيد

تأملات في ديوان "تصحو في الغياب" لسميرة عبيد

تأملات في ديوان "تصحو في الغياب" لسميرة عبيد

03-02-2025 08:19 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - يسعى الشعر دائما أن يكون بوابة للحياة باشتغالاته الجمالية وفيضه الإبداعي وابتكاره المدهش، ولأنه بوابة للحياة في حضوره فلا بد أن تكون هناك خارطة جينية للقصيدة مرتبطة بالشاعر بفكره وروحه وانتمائه، بالإضافة للفكرة.

والسيناريو والحوار والانتقالات المتعددة عبر الصور الشعرية المتحركة التي يحفزها الفعل السينمائي في حضوره الكلي هذا ما يتجلى بقوة في الصور التي تشكلت وتحلت بمعان عديدة ورمزية دالة وتدرجاته اللونية لإحلال مناخات الغياب والصحو فيه.

وهذا ما تنضح به الكلمات التي تنبثق من حيويتها أشكال وصور مختلفة، وما دونته الشاعرة سميرة عبيد في ديوانها (تصحو في الغياب) والصادر عن دار أروقة للنشر والترجمة والتوزيع في مصر، والذي قدمت له بهذه الافتتاحية المعبرة عن قلق الإنسان الوجودي وعجزه وهشاشته النفسية، رغم أن البحث لديها يبدأ ببداية روحية تراوده نزعة صوفية فتقول الشاعرة:

إِلَـى الغَرِيبةِ/ فِـي بَـحْثِهَا عَنْ شُرْفَةِ الـمُسْتَحِيلِ/ وَهِيَ تُؤَثِّثُ ذَاكِرَةَ الصَّحْوِ/ بِتَرْوِيضِ بُرْكَانِ اللُّغَةِ الصَّامِتَةِ/ فِي مَشَاعِرِ الـحَيَاةِ.

فبأي معنى يمكن الكتابة عن الغياب وعن الصحو فيه، ففي أحيان كثير نكتب هذه اللحظة شعراً وكأننا نكتبها للمستقبل، وكأننا نتعقب آثار المستقبل في الوقت أو اللحظة، وهذه هي لحظة إدراك الرؤيا، لكن الماضي يغلب علينا بضنه، فهل الغياب حياة مؤقتة في تأويل والصحو في الغياب كالعبور إلى ضفة الزمن حيث الوقت هلامي لا يعترف بتوصيفاتنا النمطية، قد يكون الغياب فعلاً أو زمناً مضافاً إلى الزمن الحاضر؛ فإذا كان زمناً ماضياً يضاف إلى الحاضر فهو ذكريات ولا غياب في الذكريات، إذن ما هو الغياب وما هو الصحو فيه، فالحاضر حاضر في مضارع حضوره في الأشخاص والألوان والكلمات، وفي الزمن الذي سيمضي، حياة موازيه للحياة، حياة في كلمات، حياة في حياة، أما الغياب مجهول الأشخاص والألوان والكلمات فلا بد أن نبتكر كل ذلك، ونطلق مسباراً في اللغة للكشف عنه، وحتى المنطقة بين الحضور والغياب هي منطقة رماديه كالمنطقة بين الحلم والصحو، والشاعرة حاولت خلق مؤثر شعرياً وبصرياً دال على ذلك ومنفتح على التأويل، كأنه يدخل عالم الوجود، ولا يزوره إلا الوهم عبر تراجيديا الغياب والحضور، هكذا تصبح الكلمات وسيله للصحو حتى في الغياب للحضور، فتكسب الزخم والنمو في هذا العدم المكاني والزماني، وهي تقاوم مصفوفة الأوهام، وهي تنقلنا من اللامرئي إلى المرئي، وهذا ما يدفعنا إلى الإقامة الشعرية في الحياة وفي القصيدة، سواء في الحضور، أو في الغياب، بهذا المعنى يكون هو الكشف الشعري، قوة كشف الأشياء المذهلة والحدس بحضوره الحقيقي.
تراجيديا الغياب في سياقه الشعري الملحمي:
تبدأ الشاعرة قصيدتها (دَوْامَةُ المُسْتَحِيل) بمشهد سريالي ملحمي تستشرف الشاعرة فيه الـ(ما بعد)، والذي تتوسع دواله الشعرية، حيث ننصت إلى اللغة، ونرى الكلمات وكأنها تدور، تبدأ وتنتهي ثم تبدأ مرة أخرى في هذا الإحساس الدائري كقداس شعري تتموج فيه الكلمات، وتبتكر أصواتها وإيقاعاتها كالذهاب إلى المستحيل بمعناه اللانهائي، فتقول الشاعرة:
دَوْامَةُ المُسْتَحِيل/ كُنْتُ أَبْحَثُ عَنِّي/ رَافِضَةٌ ضَوْءَ الصَّمْتِ/ حَنِينٌ شَائِكٌ/ يُرَوِّضُ رُعَاةَ النُّجُومِ خِلْسَةٌ مِنِّي/ في آخر الليل عَلَى شَاطِئِ النَّورِ/ لَا وَقْتَ لِلنَّوْمِ وَلَا لِلاسْتِيقَاظِ وَلَا لِجَمْعِ حَبَّاتِ الوَجَعِ/ هُنَاكَ فَقَطْ دَوَّامَةٌ
والبحث هنا مسافة من القلق في الوقت يبدأ من الذات، لا نهاية له فهو دوامة الحيرة وأغصان متشابكة من الأفكار، لكن بعد (سِحْرُ الطَّرِيقِ) سنجد الشاعرة تخط كينونتها عبر حلم أثيري متحول ومتماهي مع ما يحمله من مدلولات، فهو امتداد لذاتها الشاعرة، وإن بدأ هو الهاجس والدافع للكتابة، فهو ليس الحضور بالطبع ولا الغياب بالضرورة، وكأن الغياب يستحيل إلى لحن خفي في غموضه الميتافيزيقي والفلسفي يهب الحياة صفاته المميزة المدهشة، تحولاته الحاذقة، وكأننا نصغي إلى الغياب كإرجاع عكسي لحياة سابقة، متأملين الصحو الذي ستمر فيه فكرة الحضور، والذي سيأتي بعد ذلك، ببدايات على صوت الموسيقى، بالرغم أن أشياء كثيرة تمتلئ بالمعاني، وهذا هو سِحْرُ الطَّرِيقِ فتقول الشاعرة:
سِحْرُ الطَّرِيقِ/ الغِيَابُ الَّذِي يُعَشْعِشُ فِـي دَاخِلِي/ يُدَثِّرُنِـي/ بِرِيَاحِ الصَّحْرَاءِ/ وَحْدَكَ أَيُّهَا الْـحُلْمُ الْغَرِيبُ/ تَـمْنَحُنِـي سِحْرَ الطَّرِيقِ/ الْغِيَابُ الَّذِي يُرَاقِبُنِـي كُلَّ مَسَاءٍ/ يَتَرَصَّدُنِـي/ وَأَنَا أُوَدِّعُ شَهْرَزَادَ فِـي سَفِينَةِ نُوحَ
الواجهة السينمائية للقصيدة:
تقدم الشاعرة سميرة عبيد سرداً موازياً عبر الواجهة السينمائية لقصيدة (جَرَسُ الـحَيَاةِ)، فتخبرنا من خلالها لما يموج داخلها من مشاعر، عبر أداء تصاعدي، كأننا في أداء تمثيلي للكلمات فتتعدد المشاهد عبر الاختيارات البصرية والموسيقية في القصيدة، كتعدد الصور في المرآة، فهي تمتلك المزيد مما يمكن الحديث عنه من ثراء الصورة الشعرية المتحركة وتعدد أشكالها، كأننا في أداء تمثيلي مدهش للكلمات، وهذا يدل على قدرة الشاعرة تسيير القصيدة على وقع تطور مشاعرها، رغم إنها تؤجل المشهد الرئيسي إلى وقته المناسب فتقول الشاعرة:
أَصْوَاتٌ فِـي الشَّارِعِ/ يَسْمَعُهَا غَيْرِي/ أَنَا الـمُصَابَةُ بِفُوبْيَا الضَّجِيجِ/ لَا أَقْوَى عَلَى طَقْطَقَاتِ الأَحْذِيَةِ الشَّاهِقَةِ/ أُخْرِسُ كُلَّ مُوسِيقَايَ/ أَدْفِنُ/ شْخَشَاتِ البَحْرِ فِـي حُلْمِي/ أَصَابِعِي تُحَيِّي يَدًا تُلَوِّحُ مِنْ زُجَاجِ سَيَّارَةٍ خَفِيفَةٍ/ َـمْشِي الْـهُوَيْنَـى بِـحِكْمَةِ سِجَّادٍ أَحْمَرَ.. وَأُخْرَى تُسَابِقُ الزَّمَنَ/ الـمُعَلَّق فِـي مَـحَطَّةِ السَّاعَاتِ الحَزِينَةِ../ أَصَابِعٌ أُخْرَى تَتَمَدَّدُ فِـي النُّزُولِ يَتَدَفَّقُ مِنْهَا خَرِيفٌ هَشٌّ
لوحة ميتافيزيقية:
وفي قصيدة (أَصْحُو فِي الغِيَابِ) يبدو المشهد الشعري كلوحة ميتافيزيقية رسمها جورجيو دي شيريكو تصاحبها موسيقى قاسية كانكسار الضوء مع موسيقى الكونترباص حيث تصحو الشاعرة في الغياب لتجد أن الحياة التي تعرفها حياة غريبة (لَهَا ذَاكِرَةُ الخُيُولِ الْخَشَبِيَّةِ) رغم أن جاءت من آهات السنين:
أَصْحُو فِي الغِيَابِ/ أَعْرِفُهَا وَلَا تَعْرِفُنِي/ الغَرِيبَةُ لَهَا ذَاكِرَةُ الخُيُولِ الْخَشَبِيَّةِ/ جَاءَتْ مِنْ آهَاتِ السِّنين/ فِي شَظَايَا المَاءِ/ لَا تَمْلِكُ سِوَى الرِّحْلَةِ/ تَطْمَئِنُ إِلَى شُبَّاكِ الصُّوَرِ/ المُتَقَطَّعَة/ أَمَامَ المِرْآةِ.
تجربة الشاعرة صحو يطوف بغيابه:
الناظر إلى تجربة الشاعرة سميرة عبيد سيجد أن الشعر لديها يمنح الفكرة بعداً آخر، والطاقة التعبيرية للكلمات تؤكد ذلك، فهي تكتب عن وعيها بالزمان والمكان عبر لغة شعرية لامعة، تشير إلى ما تثيره لديها فكرة الغياب والحضور، هذه الرؤية التي تشكل ملامح مشروعها الشعري إجمالاً في ديوانها (تصحو في الغياب) الذي شكل حراكاً حراً للإبداع، وهي مغامرة شعرية، تشد المتلقي بدأ من العنوان، وتكشف عن جوهر تجربة إنسانية، وإذا كان (الغياب) وحده لا تدركه الكلمات، إلا بالحضور الذي يدفعها إلى أبعد حد؛ وبينهما الصحو الذي يبدو أنه خرج من العدم، فالغياب هو الإبداع الأكثر غموضاً، بعد أن أصبح شعراً في قصيدة جامعة لكل ما يمكن أن تحتويه من دلالات ومعان، فإنه يستبدل الوهم بالصحو، كنص شعري مفتوح على تأويلات عدة تستجلب معها أزمنة متراكمة، فهو صحو يطوف بغيابه.











طباعة
  • المشاهدات: 898
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
03-02-2025 08:19 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم