04-02-2025 11:06 PM
سرايا - بانتظار تبلور توجه أميركي واضح تجاه دمشق، تبرز في الفريق الجديد في البيت الأبيض ملامح خطابين رئيسيين؛ يتمثل أولهما في النأي بالنفس الذي عبّر عنه الرئيس دونالد ترامب بأن سورية "ليست صديقتنا" وما يجري فيها "ليس معركتنا"، في حين يحمل وزير الخارجية الجديد ماركو روبيو أجندة أكثر إيجابية تتلخص في ضرورة المبادرة لاغتنام ما وصفها بالفرصة الراهنة التي يجدر التعاطي معها.
ورغم أن الرئيس الأميركي قد ينأى بنفسه عن الملف السوري في معظم الأحيان، فإنه يرجح أن يستمر الاشتباك الأميركي مع الملف على مستويات أخرى، بعيدا عن الدعم العسكري لقوات سورية الديمقراطية "قسد".
يأتي خطاب ترامب امتدادًا لقناعة ارتسمت خلال رئاسة باراك أوباما الثانية، حين أكد أوباما أن سورية غير مهمة إستراتيجيًا في سياق تبرير تقاعسه عن إنفاذ تهديده بمعاقبة نظام الأسد على استخدام الأسلحة الكيميائية، وراهن على إعادة العلاقة مع إيران التي أجرى مع رئيسها أول اتصال لرئيس أميركي منذ عقود بعد شهر واحد على مجزرة الغوطة بالأسلحة الكيميائية في عام 2013.
شملت مراهنة أوباما على إيران السكوت عن استحواذها العسكري على المشهد السوري الذي مهد لتدخل روسيا في عام 2015، لتكون النتيجة إحدى أكبر الكوارث الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية التي خلفت بين الموت والدمار هجرة قسرية بلغت هزاتها الارتدادية دول أوروبا الغربية.
وإذا كان نأي أوباما بأميركا عن سورية يعد فشلًا إستراتيجيا، فقد كان نأي ترامب عنها قرارًا حكيما وفقًا لمنظوره الذي عبّر عنه في رئاسته الأولى، حين أقر بالفشل الأميركي في معادلة الصراع الذي خسرت فيه أميركا سورية على حد وصفه، بعد أن صارت أرض "الموت والرمال".
وعلى الصعيد الإقليمي، كانت سورية عقدة لعدد من القضايا المهمة لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بدءًا بتركيا الجار الشمالي الذي شارك واشنطن في الحملة الدولية لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
أما على المستوى الدولي، فقد ظهر أثر هجرة السوريين نتيجة قمع النظام وما تبعه من تدهور للأوضاع الاقتصادية بأوضح أشكاله في دول جوار سورية.
يضاف إلى ذلك تنامي التهديدات الأمنية وخطر الإرهاب العابر للحدود نتيجة للفوضى الأمنية في سورية لتصل إلى الولايات المتحدة وحلفائها حول العالم.
عمليًا، تمثل إعادة قراءة دواعي التدخل الأميركي في سورية بعد سقوط نظام الأسد مدخلًا لفهم منافذ واشنطن المتوقعة تجاه دمشق، بدءًا من التهديد الأمني المتمثل في ضبط الأمن في سورية عمومًا، والحيلولة دون صعود تنظيم "داعش" التي تعد مصلحة دولية وإقليمية ومحلية، والبناء على الانسحاب الإيراني من سورية وترسيخ حالة انقطاع خط الإمداد البري من طهران إلى حزب الله، وتهيئة بيئة مواتية لعودة المهاجرين فيما يمكن الاصطلاح عليه بإعادة الإعمار.
وقد ذكر ماركو روبيو في جلسة إقراره وزيرًا للخارجية هدفًا جيوسياسيا يضاف إلى دواعي التدخل السابقة، يتمثل في استغلال التراجع الروسي والإيراني الذي حذّر من أن لا يستمر بسبب الطبيعة البراغماتية لكل من موسكو وطهران التي قد تمكنهما من إيجاد سبيل للعودة إلى سورية.
يدرك صانع قرار السياسة الخارجية الأميركي أثناء تعاطيه مع عوامل التدخل هذه امتلاكه أوراق قوة ورثتها واشنطن نتيجة لاشتباكها مع الملف السوري في السنوات السابقة، وستمكنها من اغتنام الفرصة الراهنة التي تحدث عنها روبيو بما يصب لصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، ولكل دولة في الشرق الأوسط على حد وصفه.
أولى هذه الأوراق هي إزالة العقوبات المترتبة على وصف سورية دولة راعية للإرهاب لدى مكتب مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية منذ عام 1979، والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الحكومات الأميركية السابقة.
في حين حظرت العقوبات الاقتصادية التعامل التجاري مع قطاعات رئيسة في سورية وتجميد أصول مسؤولين كبار في النظام السابق، وصولًا إلى قانون قيصر الذي يستهدف الأفراد والكيانات التي كانت تدعم حكومة النظام السوري السابق وقانون "الكبتاجون 2" الذي يستهدف الأفراد والجهات الضالعة في شبكة صناعة أو توزيع المخدرات.
ورغم تخفيف واشنطن مؤخرًا للعقوبات المفروضة على سورية من خلال السماح ببعض التعاملات مع المؤسسات الحكومية المدنية والحوالات المالية الشخصية، فإن هذا التخفيف الجزئي مؤشر على نفوذ صانع قرار السياسة الخارجية الأميركي في الملف السوري من خلال هذه العقوبات، وهو نفوذ لم يصرح بنيته التخلي عنه في المدى المنظور.
أما الورقة الثانية بيد واشنطن فهي إزالة اسم هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. ورغم إشارة روبيو إلى هذه المسألة صراحة في حديثه لمجلس الشيوخ بقوله إن أفراد الإدارة الجديدة في سورية لن ينجحوا في تدقيق أمني لمكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، وإن تاريخهم ليس مدعاة للثقة لدى واشنطن، لكنه أكد في الوقت نفسه ضرورة استخدام إزالة هذه العقوبات أداة في التعاطي مع سورية.
والورقة الثالثة هي الوجود العسكري في شمالي شرقي سورية المستمر منذ تشكيل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة عام 2015. ورغم انتفاء السبب الرئيسي للوجود الأميركي في عام 2017 حين أعلنت الحكومة العراقية هزيمة "داعش"، فإن القائد السابق للقيادة المركزية للولايات المتحدة "سنتكوم" الجنرال كينيث مكينزي أعلن في عام 2019 أنه لا يوجد موعد نهائي للتدخل الأميركي في سورية.
وفي أول تصريح واضح وصريح دافع ترامب أول من أمس عن قرار إدارته سحب القوات الأميركية من شمال سورية، وقال إن مواصلة دعم القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة مكلف للغاية.
وقال في سلسلة تغريدات على تويتر "الأكراد قاتلوا معنا، لكنهم حصلوا على مبالغ طائلة وعتاد هائل لفعل ذلك. إنهم يقاتلون تركيا منذ عقود".
وأضاف "سيتعين الآن على تركيا وأوروبا وسورية وإيران والعراق وروسيا والأكراد تسوية الأوضاع، مشيرا أنه "قد آن الأوان لكي نخرج من هذه الحروب السخيفة والتي لا تنتهي، والكثير منها قبلية".-(وكالات)
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-02-2025 11:06 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |