06-02-2025 02:27 PM
بقلم : رضا السميحيين
لم أعد أتفاجأ؛ فالصدمة التي خلفتها تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة حول تهجير الفلسطينيين من غزة بشكل "دائم" لم تعد تأخذ مني سوى تنهيدةً طويلة، وكأنني أسمع صدى تاريخٍ يعيد نفسه. ترامب، الذي اعتاد أن يُصدم العالم بتصريحاته غير المدروسة، يعود ليطرح "حلًا" جديدًا للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حلًّا يعتمد على فكرة بسيطة: تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وتوزيعهم على دول المنطقة والعالم، وكأن القضية الفلسطينية مجرد أزمة لاجئين يمكن حلها بتفريغ غزة من سكانها وإعادة رسم خريطة المنطقة وفقًا لأهواء السياسة الأمريكية.
ترامب، في مؤتمره الصحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تحدث بكل برودة عن تهجير الفلسطينيين، وكأنه يتحدث عن نقل بضائع من مكان إلى آخر. قال إن هناك دولًا أخرى غير الأردن ومصر ستستقبل الفلسطينيين، وكأن القضية مجرد مسألة لوجستية. ولكنني أتساءل: هل يعلم ترامب أن غزة ليست مجرد قطعة أرض، بل هي وطنٌ لأكثر من مليوني إنسان؟ هل يعلم أن التهجير يعني اقتلاع الناس من جذورهم، وتدمير هويتهم، وحرمانهم من حقهم في العيش بكرامة على أرضهم؟
التاريخ يعلمنا أن التهجير ليس حلًا، بل هو جريمة. فمن تهجير الفلسطينيين في النكبة عام 1948 إلى تهجير السوريين والعراقيين في السنوات الأخيرة، كانت النتيجة دائمًا واحدة: المزيد من المعاناة، والمزيد من التشرد، والمزيد من الكراهية التي تفتت المنطقة وتجعلها ساحةً للصراعات الأبدية. ترامب، بدلًا من أن يعمل على حلّ جذري يعتمد على العدل وحقوق الإنسان، يختار الطريق الأسهل: تفريغ غزة من سكانها وإعادة رسم المنطقة وفقًا لرغبات إسرائيل.
لا يمكن فصل تصريحات ترامب الأخيرة عن سياسته العامة في الشرق الأوسط. فمنذ وصوله إلى البيت الأبيض، عمل ترامب على تمزيق كل ما تبقى من توازن في المنطقة. نقل سفارة بلاده إلى القدس، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان، وقطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والآن يطرح فكرة التهجير. كل هذه الخطوات تؤكد أن سياسة ترامب تقوم على مبدأ واحد: تدمير أي أمل في حلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية، وإجبار الفلسطينيين على القبول بواقعٍ جديدٍ يُفرض عليهم بالقوة.
الشرق الأوسط، الذي يعاني بالفعل من صراعاتٍ وحروبٍ طاحنة، لا يحتاج إلى مزيدٍ من السياسات التي تزيد الطين بلة. تصريحات ترامب الأخيرة ليست سوى حلقة جديدة في سلسلةٍ طويلةٍ من السياسات الأمريكية التي أدت إلى خراب المنطقة. من العراق إلى سوريا، ومن اليمن إلى ليبيا، كانت الولايات المتحدة دائمًا جزءًا من المشكلة، وليس الحل.
ترامب، الذي صنع لنا "صفقة القرن"، يبدو أنه يريد أن يكتب الفصل الأخير من مأساة الفلسطينيين بيديه، لكنه ينسى أن الشعب الفلسطيني، الذي صمد لعقودٍ طويلةٍ في وجه الاحتلال، لن يقبل بالتهجير ، و تصريحاته عن "إيجاد بلدان أخرى" لإيواء الفلسطينيين، يبدو أنه يريد أن يحول المنطقة إلى ساحةٍ لتجارب سياساته الفاشلة. لكنه ينسى أن الشرق الأوسط ليس مختبرًا لتجارب واشنطن. شعوب المنطقة، التي عانت بما فيه الكفاية، لن تقبل بأن تكون ضحيةً لسياسات تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وفقًا لمصالح القوى الكبرى.
رغم كل ما يفعله ترامب، ورغم كل ما تفعله إسرائيل، لا تزال غزة صامدة. غزة، التي عانت من الحصار والعدوان، تبقى رمزًا للمقاومة والصمود. الفلسطينيون، الذين عاشوا على هذه الأرض لعقودٍ طويلة، لن يتركوا وطنهم لمجرد أن ترامب قرر ذلك. التهجير ليس حلًا، بل هو جريمةٌ لن يقبل بها أحد.
أكتب هذه الكلمات وأنا أتذكر قول الشاعر محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة". غزة تستحق الحياة، والفلسطينيون يستحقون أن يعيشوا بكرامة على أرضهم. قد يكتب ترامب التصريحات، لكن التاريخ هو من سيكتب النهاية، وغزة لن تموت.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-02-2025 02:27 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |