08-02-2025 12:44 PM
بقلم : د. حسين سالم السرحان
في الثقافة العربية المعاصرة والقديمة تعود الناس على التعامل مع ارتدادات الأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية بشكل عاطفي تتميز فيه شعوب المنطقة وحتى غالبية دولها بسلوك المفاجئة حتى صار المرء يشعر بأننا أمة تتفاجئ بكل شيء بينما الآخرين في هذا العالم يستشعرون المستقبل وأحداثه
أضعنا نحن العرب بلادًا ودولًا وخسرنا قضايا مصيرية وما زالت كثير من شعوبنا وأوطاننا على الحافة في كل شيء حتى في مستوى وأنماط الحياة اليومية والاستقرار والأمن الاجتماعي والحرية والعدالة والمساواة التي قد لا توجد إلا في الخطابات ومن على شاشات التلفزيون وامام الميكروفونات من خلال وسائل التواصل الإجتماعي وعلى ألسنة المحللين والخبراء والإعلاميين وغيرهم ممن لهم علاقة ملتبسة نوعًا ما مع المحيط الاجتماعي الذي يعيشون فيه ويتوهمون أن مطالعاتهم تنال التقدير والثناء والتأثير وكأنها حقيقة لا يقبلون حولها النقاش،
مناسبة هذه المقدمة جاءت على البال للاجابة على السؤال اليوم حول شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحزبه الجمهوري وآلية التعامل مع قرارته وتوجهاته السياسية الأخيرة خاصة ما يتعلق منها بالمنطقة العربية
وحتى لا نكرر مقولة واقعية " أشبعناهم شتمًا وفازوا بالأبل"، العالم كله اليوم أمام نموذج لرئيس أمريكي لا يؤمن بالسياسة التقليدية والمجاملات والبروتوكولات وإنما يتصف بعقلية مقاول ومفاوض ولا يدفع ثمن شئ إذا لم يكن رابحًا في الصفقة، ويرفع دومًا سقف مطالبه ليحصل على ما يريد دون مقابل كثير،
زعامات وقيادات الحزب الجمهوري في أمريكا تتميز بمجموعة من السمات التي تتراوح بين التوجهات الفكرية و الأساليب القيادية إذ يختلف أسلوب القيادة داخل الحزب الجمهوري باختلاف الشخصيات، ولكن هناك سمات رئيسية يمكن ملاحظتها عبر التاريخ الحديث للحزب، وتبدو هنا بعض السمات الرئيسية للزعامات والقيادات الجمهورية ومنها التركيز على المبادئ المحافظة في قضايا دعم السوق الحرة وتقليل الضرائب، وتقليص دور الحكومة في الاقتصاد، وغالبًا ما يتبنى قادة الحزب مواقف صلبة في هذه القضايا، مما يجعلهم يحظون بدعم فئات واسعة من الناخبين المحافظين، ويعتبرون أن التدخل الحكومي يجب أن يكون محدودًا، إلا في الحالات الضرورية.
بعض القيادات الجمهورية، مثل دونالد ترامب، اتسمت بقدرتها على التواصل المباشر مع القاعدة الشعبية، باستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية كأداة أساسية للتفاعل مع الناس وتعتمد على خطاب شعبوي يدعو إلى إعادة هيكلة النظام السياسي و التصدي للنخب السياسية مما يجعلهم يبدون وكأنهم يمثلون صوت الطبقات العاملة.
كما يتبنون الصلابة في قضايا الأمن القومي الأمريكي الذي يمثل أحد أهم الأولويات لدى معظم القادة الجمهوريين، الذين يعارضون التراخي في مواجهة التهديدات الخارجية سواء كانت إرهابية أو استراتيجية،
وإلى تبني سياسات دفاعية قوية والاعتقاد بأن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة لإظهار قوتها العسكرية إذا لزم الأمر.
كثير من القيادات الجمهورية تتمسك بمواقف دينية محافظة، ويرتبط ذلك بقاعدة شعبية قوية من الناخبين المتدينين، خاصة من الإنجيليين، فالقيم الدينية تمثل جزءًا أساسيًا في خطاب القيادات الجمهورية، مع التركيز على أهمية الأسرة و الأخلاق التقليدية.
دونالد ترامب يمثل تحولًا في أسلوب القيادة الجمهوري حيث اعتمد على خطاب غير تقليدي، في الحفاظ على القاعدة الشعبية، ويركز على فكرة أن الولايات المتحدة يجب أن تظل الدولة الأعظم في العالم، مع الإيمان بأن المصالح الوطنية يجب أن تكون على رأس أولويات السياسات، وهذه المواقف تتجسد في سياسته الانعزالية في التأكيد على التفوق الأمريكي التي ظهرت بشكل بارز في خطاب ترامب حول “أمريكا أولاً”.
سيطرة دونالد ترامب على الحزب الجمهوري على الرغم من خلفيته غير السياسية العميقة يمكن تفسيرها من خلال من خلال استطاعته أن يبني قاعدة شعبية ضخمة من الناخبين العاديين الذين يشعرون بأنهم مهملون من قبل النخبة السياسية، وهذه القاعدة تتكون بشكل رئيسي من الطبقات العاملة والناخبين المحافظين الذين يعتقدون أن السياسيين التقليديين لم يهتموا بمصالحهم،
إذ تمكن من التحدث مباشرة إلى مشاعر الناس بشأن قضايا مثل الهجرة، الوظائف، و الاقتصاد، وهو ما جعله يحظى بشعبية كبيرة بين قطاعات واسعة من الناخبين،
وأتبع استرتيجية إعلامية قوية في استخدام وسائل الإعلام لصالحه حيث استفاد بشكل كبير من التغطية الإعلامية المستمرة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، مما جعل اسمه دائمًا في دائرة الضوء، وكان يستخدم منصات مثل تويتر وغيرها بشكل فعال جدًا للتواصل مع مؤيديه
وتحفيز النقاشات العامة، مما منحه نوعًا من القدرة على التحكم في الخطاب السياسي بشكل غير تقليدي.
ترامب جاء من خارج النظام السياسي التقليدي، وهو ما جعله يمثل تحديًا قويًا للنخبة الحزبية والجمهورية التقليدية،وهذا ما جعل كثيرًا من الناس يرون فيه شخصية تغيير ضد الروتين السياسي الذي كان قد استمر لفترة طويلة، وفي الوقت نفسه، كان لديه القدرة على تحويل الغضب الشعبي من النظام السياسي التقليدي لصالحه،
ترامب كان يتمتع بشخصية قوية وجذابة للكثير من الأمريكيين في أسلوبه المباشر و العدواني الذي كان يحظى بإعجاب شريحة كبيرة من الجمهور الذي يرى في ذلك قوة وحزم، وكان يروج لنفسه كـ زعيم قوي قادر على حل مشاكل العالم ،
أمام هذه الحالة للتعامل مع شخصيته فمن الصعب توقع او معرفة ما يجول في ذهنه من مواقف ومفاجئات فلا بد من تغيير آلية التعامل معها دون رفع سقف التوقعات بأن القادم أفضل أو يمكن الاكتفاء بالخطابات والنصوص اللغوية الخشبية في الردود على سياساته،
فالأصل ان تعتمد الدول المتأثرة بقرارات ستكون صعبة في المستقبل القريب عليها تحتاج لبناء تحالفات جديدة وبدائل واقعية في الاقتصاد الوطني والاستثمار وتقوية العلاقات الدولية للدول الفاعلة في العالم وتنويع مصادر الدخل والتخلي عن فكرة الاعتماد على الآخر في التمويل الخارجي والحماية وغيرها الكثير…
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-02-2025 12:44 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |