09-02-2025 08:15 AM
سرايا - يعتمد الأدب في مجمله على نوعين من الصور: تلك المرسومة باللفظ والأخرى المحمولة على المعنى ودلالة المضمون.
وما بين هاتين الصورتين تتأرجح المرأة كصورة ودلالة في كثير من الكتابات وخاصة النسائية منها. فالنمط الذي تسير عليه كثير من النصوص التي تتناول المرأة موغل في السطحية والهشاشة التي قد تكون انعكاسا حقيقيا لمجتمعات ما زالت تنظر إلى المرأة من جانب واحد جانب الحبيبة والمعشوقة والأنثى التي لا تكترث إلا بسماع كلمات الحب المبتذلة والغزل الرخيص.
هذه الصورة قدمتها كثير من النصوص بقصد أو غير قصد ولكن كيف للمرأة في المجموعة القصصية « بائعة الورد « للكاتبة لطيفة محمد حسيب القاضي أن تتمرد على الصورة المنمطة والسطحية السائدة؟ وهل حقا تعتني قصص المجموعة برسم صورة ملامسة للواقع بعيدا عن الاختزالات والقولبة.
«بائعة الورد» مجموعة قصصية تتكون من 27 قصة جاء في مقدمتها للأستاذ سعيد الصالحي: «هي قصص بصوت أنثى ليدرك الرجال أن الأنثى أفضل من يروي الحكاية، فالأنثى في بائعة الورد أم وحبيبة وابنة وزوجة، هي القوية والضعيفة والخائفة والمقدامة وهي تارة ريح وتارة رياح».
في مجموعة من سبعة وعشرين قصة قدمت الكاتبة لطيفة محمد حسيب القاضي المرأة بصورة تقترب كثيرا من ظاهرة النمط السائد الذي عرفناه في كثير من الكتابات النسائية ولكنها أيضا استطاعت رصد كثير من الإحالات الاجتماعية المعبرة عن واقع تعيشه المرأة في مجتمعاتنا العربية، هذه المجتمعات التي ظلت فكرة العيب القائمة على الموروث الشعبي والاجتماعي هي المتصدرة، وليتها اعتمدت الفكرة الإسلامية مثلا التي تواجه الفرد ذكرا كان أم أنثى بالقانون السماوي الذي يتساوى فيه الإنسان على اختلاف جنسه في مبدأ الحق والواجب.
في أولى قصص المجموعة ( رواية جديدة ) تشخص الكاتبة حالة البحث عن الذات التي تتطلب من المرأة العزلة عن الآخر والغوص في أعماقها باحثة عن نفسها خاصة إذا كانت من صاحبات القلم، فالمجتمع يحسن التصدي لما يحفره القلم النسائي إذا كان ملامسا وناقدا ومعريا لسوءات الحالة المجتمعية، ولكننا في المقابل نجد مجموعة ممن يصفقون طويلا للمرأة التافهة فارغة الرأس والقلم إلا من بعض صور وتعبيرات أنثوية سمجة تحاكي فيها أنوثة شابها وهم الحرية والتحرر.
وفي قصة « كرات ورقية بيضاء» تنقلب الأنوثة النمطية رأسا على عقب عندما تقرر بطلة القصة ( مريم) تعلم السحر والشعوذة لكسب المال بعد أن تعبت من عملها في تغسيل المتوفيات، إن هذه الحبكة التي قد تبدو ساذجة للوهلة الأولى ما هي إلا حالة انعدام لمركزية الأخلاق والقيم التي أصبحت تعبث بحياة البعض ممن تحالف الفقر والجهل معا في محيطهما ليشكلا كائنا عملاقا يضرب بيديه خبط عشواء فيهدم هنا ويسقط مبادئ هناك. إن ربط الكاتبة بين المرأة والشعوذة التجارية التي لا ترى لها هدفا سوى جني المال من الضحايا هو نوع من الصورة المتمايلة بين حاجز الهشاشة ودائرة التنميط ولكن الحكايات تحتمل كل شيء ما دامت القصة تسير وفق معقولية النص.
وفي قصة « حامل في الخمسينات» يخرج السرد الحكائي عن نمطيته التي ظلت ملازمة له في معظم قصص المجموعة ليحيلنا إلى محاكمة اجتماعية تعجيزية تواجهها المرأة منذ الأزل، فهي إن نجت من كونها عانسا لن تنجو من كونها مطلقة وإن نجت من الإثنين قد لا تنجو من كونها لم تنجب وإن قدر لها الإنجاب ستواجهها معضلة ولادة الذكور والإناث وهكذا دواليك من دائرة ضيقة إلى أخرى يحاصرها فيها المجتمع.
وفي هذه القصة تقع المرأة في دائرة غريبة وهي تواجه حقيقة أن تصبح أما في عمر الخمسين، فهل سيتركها المجتمع ؟ لقد رسمت الكاتبة صورة أخرى من صور البؤس الاجتماعي الذي يمكن أن تواجهه المرأة في مجتمعها، ولكن الساردة أرادت من ذلك البؤس أن يكون وردة من ورود البائعة الأنثى التي تنثر تصالحها وتقبلها لكل ما يحيط بكينونتها، فهي تغزل من البؤس والرفض خيوطا لبناء سعادتها أو توهمها بالسعادة.
إن الفكرة الهامة التي على الأدب القصصي المتناول لقضايا المرأة أن يشتغل عليها بقوة هي مدى قدرة الذات النسوية على اكتساب الهوية الذاتية التي أوجدها الخالق عليها في ظل كثير من المتغيرات القيمية وفي ظل مجتمعات تنضح بالإقصاء والتسلط والتغول في إصدار الأحكام وقولبة العنصر الإنساني، والأدب بوصفه فعلا مؤثرا وفاعلا في إحداث الفروقات الفكري، وتغيير الأنماط الفكرية السائدة، هو القادر على إثارة التساؤلات وتحريك الساكن وهذا ما حاولت مجموعة « بائعة الورد» القصصية فعله.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-02-2025 08:15 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |