09-02-2025 08:35 AM
بقلم : الدكتور محمد الهواوشة
لم يكن تسليم الأسرى الإسرائيليين البارحة مجرد خطوة عابرة في سياق الحرب، بل كان رسالة سياسية واستراتيجية أرادت حماس إيصالها بأسلوب مختلف تمامًا عن كل مرة سابقة. هذه الرسالة تتجاوز مجرد الإفراج عن معتقلين، بل تعكس تحولًا جوهرياً في تكتيكات المواجهة، وتعيد رسم المشهد السياسي والعسكري في مواجهة الاحتلال.
حماس واللعبة السياسية: متغيرات جديدة في معركة الاستنزاف
منذ سنوات، اعتادت إسرائيل التعامل مع فصائل المقاومة وفق معادلات أمنية تقليدية، لكن ما جرى اليوم يحمل في طياته تغييراً جذرياً في قواعد الاشتباك. حماس، التي لطالما اعتمدت على استراتيجية الحرب النفسية والمفاوضات غير المباشرة، قررت هذه المرة توجيه رسائل مباشرة للعالم، وليس فقط لإسرائيل.
لم يكن تسليم الأسرى مجرد "بادرة حسن نية"، بل خطوة محسوبة بدقة تهدف إلى:
تفكيك الدعاية الإسرائيلية حول همجية المقاومة: تقديم الأسرى في حالة صحية جيدة، وبطريقة منضبطة ومنظمة، يضرب السردية الإسرائيلية التي تصف المقاومة بالإرهاب والعشوائية.
تعزيز موقفها التفاوضي: من خلال هذا التحرك، أظهرت حماس أنها الطرف المسيطر والمتحكم بإيقاع الحرب، وليس كما تحاول إسرائيل تصويرها على أنها مجرد مجموعة مسلحة تطاردها الغارات.
فضح ازدواجية المعايير الدولية: حين تسلم المقاومة أسرى إسرائيليين بهذا الشكل الإنساني، يُطرح السؤال: كيف يعامل الاحتلال الأسرى الفلسطينيين، وخاصة الأطفال والنساء في السجون؟
ترامب وصفقة القرن: هل تعود اللعبة القديمة؟
عندما أُعلن عن "صفقة القرن"، كان الهدف الرئيسي منها إنهاء أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية حقيقية، ودفع الفلسطينيين للقبول بالأمر الواقع تحت غطاء اقتصادي مغرٍ. اليوم، يعود ترامب إلى الواجهة، متعهدا بإكمال ما بدأه في ولايته الأولى، بدعم غير محدود لإسرائيل وسحق أي محاولة لمقاومة مشروعها الاستيطاني.
لكن المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، ترسل اليوم رسالة مفادها: اللعبة تغيرت، ومعادلة الردع لم تعد كما كانت في 2020. فبدلًا من أن تكون فلسطين ورقة على طاولة المفاوضات الأمريكية – الإسرائيلية، أثبتت المقاومة أنها لاعب رئيسي لا يمكن تجاوزه أو فرض حلول عليه بالقوة.
التهجير القسري ونتنياهو: إعادة إنتاج النكبة؟
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، كان أحد أهداف حكومة نتنياهو الخفية هو تنفيذ مخطط التهجير القسري، سواء بشكل تدريجي عبر القصف المستمر والتضييق، أو بشكل مباشر كما حدث في سيناريو رفح. تسليم الأسرى بهذه الطريقة ينسف جزءًا من هذا المخطط، لأنه يُظهر أن الفلسطينيين ليسوا مجرد ضحايا ينتظرون الإغاثة، بل قوة منظمة تدير الصراع وفق مصالحها، وتفرض إرادتها رغم الحصار والدمار.
نتنياهو، الذي يعاني داخليًا من أزمات سياسية تهدد مستقبله، كان يأمل في استثمار الحرب لتثبيت حكمه، ولكن بدلاً من تحقيق نصر سريع، وجد نفسه أمام حرب استنزاف تضعه في موقف أضعف يومًا بعد يوم. المقاومة، برسائلها السياسية والعسكرية، تقول له بوضوح: لا مكان لك في معادلة المستقبل، والمشروع الصهيوني التوسعي لن يمر كما تتخيل.
ختاماً: مرحلة جديدة في المواجهة
ما حدث اليوم ليس مجرد حدث عابر، بل تحول استراتيجي في طريقة تعاطي المقاومة مع الصراع. لم تعد حماس في موقع المتلقي للهجمات، بل أصبحت تُدير المواجهة بذكاء سياسي وعسكري يخلط الأوراق في تل أبيب وواشنطن. الرسالة الأهم هنا هي أن فلسطين ليست قضية منتهية، ولا صفقة يمكن تمريرها، بل معركة مستمرة تقودها إرادة لا يمكن كسرها، مهما حاولت إسرائيل وأعوانها فرض سيناريوهاتهم.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-02-2025 08:35 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |