حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,10 فبراير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2779

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: غزة وفن الصفقة

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: غزة وفن الصفقة

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: غزة وفن الصفقة

09-02-2025 09:04 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : ا. د. عبدالله سرور الزعبي
في عام 2002 كنت والدكتور منير دبابنه واخرين، قد شاركنا في اجتماع عقد في اسطنبول وبرئاسة الدكتور ten Brink، من الولايات المتحدة الامريكية وبعد الاجتماع كان قد نصحني بقراءة كتاب بعنوان "فن الصفقة" (The Art of the Deal) للمؤلف دونالد ترامب وتوني شوارتز، وهو الامر الذي تم بالفعل.

خلال الأسبوع الماضي وبعد التصريحات عالية السقف للرئيس الأمريكي، عدت وتصفحت الكتاب، وهو الكتاب الذي يعتبره الرئيس ترامب الثاني بعد الكتاب المقدس في هذا الكون. وهنا فإنني انصح كل المهتمين بقراءة الكتاب لفهم التصريحات القادمة اليوم عبر الأطلسي.

ان المطلع على السياسة الخارجية الامريكية وخلال العقود الماضية، يجد انها تسير وفقاً للاستراتيجية الامريكية الكبرى، والتي هي اعلى من كل الاستراتيجيات الفرعية لأي إدارة امريكية، وعلى الرغم من التصريحات الحزبية والسياسية الفردية المختلفة، الا انها راسخة وثابتة وعابرة لكل الإدارات ومنذ عقود.

ان السياسة الامريكية الراسخة تقوم على بناء التحالفات والاتفاقيات، مستخدمة القوة الناعمة (مثل المساعدات المباشرة او المقدمة من خلال USAID ودعم المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، ولا يوجد ما يمنع من استخدام القوة العسكرية انطلاقاً من القواعد العسكرية والبالغ عددها اكثر من 800 قاعدة منتشرة في مختلف الدول العالمية (حسب المعلومات المنشورة)، وهي التي تضمن لها الهيمنة للمحافظة على الترابط الاقتصادي المتكامل وسلاسل الامداد والحصول على الثروات الطبيعية اللازمة للشركات الامريكية وكذلك تقديم الانذار المبكر والردع اللازم في اللحظة المناسبة.

ان المتابع للتصريحات الصادرة عن البيت الأبيض خلال الأسابيع الماضية، نجد انها تطبيق مباشر للمفاهيم الواردة في كتاب فن الصفقة، وهي تصريحات اعدت جيداً وهي كبيرة وكثيرة العدد في ان واحد مع رفع السقف فيها الى اعلى درجة وتكرارها بشكل مباشر او غير مباشر، لخلق حالة من الارباك لدى الاطراف الاخرى، وفي نفس الوقت قد يكون الهدف غير كل الأهداف الظاهرة في التصريحات والمعلن عنها، كما يلاحظ فيها الحزم والمرونة فيها نفس الوقت مع ترك الباب غير مغلق لاي من الاقتراحات الأخرى، والمهم فيها تحقيق الهدف، والرئيس ترامب يجيد هذا الأسلوب وهو الذي ينتمي الى اليمين الأمريكي الذي لا يؤمن بالعمل الجماعي، ولا بالعلاقات الدولية القائمة على القانون، ويؤمن بالربح فقط.، وهذ بطبيعة الحال ينم عن ذكاء عالي لدى الشخص الذي ينجح في استخدم مثل هذا الأسلوب، وهو كذلك.

ان النجاح الذي تحقق له خلال اقل من أسبوعين مع بنما والمكسيك وكولومبيا وكندا شجعه للذهاب الى ابعد من ذلك في توجيه تهديدات للصين والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول والانسحاب من الاتفاقيات والمنظمات الدولية وايقاع العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية وتجاوز قرارات مجلس الامن وهيئة الأمم وهوما زال في حالة انتظار لردود الأفعال او الاستجابة. ان مثل هذه التصريحات قد تعكس احد امرين، اما ان تكون أمريكا غيرت في اهداف استراتيجيتها الكبرى، مما يخلق حالة من التصادم الجيوسياسي العالمي معها، وتكون قد اعدت نفسها لذلك وراغبة بفض التحالفات والانتقال بها من دولة مهيمنة الى دولة قائمة على أسلوب العنف والاكراه في سياستها والتي ستؤدي الى خلق حالة من عدم التوازن على الساحة الدولية وحالة من الشلل في مجلس الامن وهيئة الأمم تمهيداً لحلها وإعادة تشكيلها بما يخدم الأهداف الامريكية المخطط لها للقرن القادم دون الاخذ بمصالح الغير، ام في حال لم تتغير اهداف الاستراتيجية الامريكية الكبرى، فأننا سنرى ان مؤسسات الدولة الامريكية ستتدخل في اللحظة المناسبة لإعادة الأمور ضمن الخطوط الرئيسة لها.

اما قيما يخص ملف الشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية، وتصريحات ترامب الأخيرة وتكرارها عن تهجير سكان غزة الى مصر والأردن (هذا مع العلم بان 66% من سكان القطاع اصلاً من اللاجئين، وهو الهدف الاستراتيجي لإسرائيل منذ عام 1970، حيث خططت لتهجير 300 ألف منهم، وتكررت العملية الى ان جاءت احداث 7/10/2023، تبعها تدمير كافة مقومات الحياة في غزه ظنناً منها ان مثل هذا يدفع سكان غزه للمغادرة ) فهي ايضاً تطبيقاً لمبادئ فن الصفقة التي يتقنها ترامب والقائمة على دراسات سوق الشرق الأوسط (بناءً على تقارير إسرائيلية تبين بان ما لا يقل عن 30% من سكان القطاع يرغبون بالمغادرة للبحث عن حياة جديدة كنوع اخر من أنواع الهجرة وهي الهجرة الاقتصادية)، وليس على الدراسات الجيوسياسية والاجتماعية لشعوب المنطقة وعناصر امنها واستقرارها ايضاً والتي ستنعكس على المصالح الامريكية بكل تأكيد.

ان مثل هذه التصريحات الامريكية ستعتبرها الحكومة الإسرائيلية دعم امريكي مباشر لها امام الدول العالمية وستعتبرها خطة واقعية قابلة للتطبيق وستبدأ بالعمل على تنفيذها بطريقة او بأخرى (وهذا ما أعلن عنه يوم 6/2/2025 من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي بإصدار الأوامر للجيش بأعداد خطة لتسهيل خروج السكان من غزة) بعد الانتهاء من المرحلة الثالثة من مرحلة وقف الحرب والانتهاء من عملية إطلاق الرهائن (وهي المرحلة التي أصبحت مهددة بعد كل هذه التصريحات). وفي مثل هذه الحالة ستكون الحكومة الإسرائيلية والمطلوب رئيسها للمحاكمة امام محكمة الجنايات الدولية غير معنية بردود الأفعال الدولية.

ان الضرر بالمصالح الامريكية تؤكده ردة الفعل القوية من الأردن ومصر وبقية دول المنطقة وكذلك ردود الأفعال الدولية. مع الاخذ بعين الاعتبار ايضاً ان مثل هذه التصريحات والمرفوضة، قد تكون جاءت بهذه القوة خلال زيارة نتيناهو لتشتيت الانتباه في الداخل الأمريكي والدولي عن هدف اخر قد يكون تم الاتفاق عليه وخارج غزه، من الممكن في الضفة الغربية او في دولة أخرى من دول المنطقة، وفي جميع الأحوال سيكون على حساب القضية الفلسطينية ومنها الوصول الى تنازلت منها المنطقة (ج) وغيرها من أراضي الضفة وتهجير سكانها الى الأردن (وهو الذي لديه 2.3 مليون من اصل 5.9 مليون لاجئ فلسطيني، حسب الاونروا) والجزء الشمالي من قطاع غزة وتهجير سكانه الى مصر، كما انه من الممكن ان تكون تهدف الى الضغط على الدول العربية للقبول بالتطبيع مع إسرائيل وانتزاع الموافقة على حل اقل من قيام دولة فلسطينية (باعتبار ان الحكومة الإسرائيلية تعتبر ان حل الدولتين اصبح من الماضي)، والضغط على الأردن للقبول بإدارة ما تبقى من أراضي الضفة، وهو الامر المرفوض اردنياً بالكامل.

اما الاشقاء في فلسطين وعلى الرغم من معرفتهم بالاستراتيجية الإسرائيلية والتي لم تتغير (رغم اتفاق أوسلو) في التوسع في المستوطنات وطرد السكان من أماكن سكنهم، مستغلة كل الظروف السياسية والاجتماعية والخلافات الفلسطينية الداخلية بين منظمة التحرير وغيرها من المنظمات والفصائل، والتي وصلت حد الاقتتال فيما بينها عام 2007، ومن ذلك التاريخ ومع كل اسف لم يتمكنوا من توحيد صفوفهم وتجاوز الخلافات الفرعية امام الوصول لحل لقضيتهم الرئيسية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، فهم اليوم احوج من أي وقت مضى الى موقف موحد.

وهنا، بعد الاطلاع على كتاب فن الصفقة، وإعلان الإدارة الامريكية بانها منفتحة على الاقتراحات العملية ممكن للفلسطينيين ان يتقدموا بعرض للرئيس الأمريكي بأنهم جاهزون للسماح للشركات الامريكية فقط بالاستثمار في غاز الساحل الفلسطيني والاستثمار في بناء الريفييرا التي تحدث عنها الرئيس ترامب في غزة وغيرها من المنتجعات السياحية والاستثمار في ميناء غزه (وفقاً لاتفاقيات ثنائية) شريطة قيام الدولة الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية بالكامل وهو القادر على تنفيذها.

اما الأردن، الدولة الراسخة والقوية بقيادتها وشعبها فلدينا ثوابت راسخة والتي هي جزء من استراتيجيتنا الوطنية الكبرى والضامنة لأمننا الوطني والغير قابل للمساومة باي ثمن مهما كان، وهو الذي يملك الخبرة في التعامل مع الادارة الامريكية الحالية، وله من العلاقات القوية والمتينة مع مستشار الامن القومي الأمريكي والغرف التشريعية وهم جميعاً يعلمون أهمية دوره في امن واستقرار المنطقة ومدى انعكاس ذلك على الاستقرار العالمي، والتي هي تتوافق مع بعض اهداف الاستراتيجية الامريكية الكبرى، وهم المقدرين للمصالح المشتركة بين البلدين. يضاف الى ذلك ان الأردن مطلع بالكامل على بنود خطة صفقة القرن والتي سبق وان رفضها قبل اكثر من 6 سنوات، وهو يعلم جيداً بان ما يجري اليوم هو إعادة انتاج لها، وسبق وان حللها واعد خياراته جيداً لكل بند من بنودها، وهو الواصل الى قناعة بان أي عملية لتهجير الفلسطينيين (والتي يعتبرها القانون الدولي من الجرائم الدولية المحرمة والمرفوضة من كل دول العالم، باستثناء الدولة صاحبة الاقتراح واسرائيل) اتجاه أراضيه يعتبر امر في غاية الخطورة وسيحدث خللاً في امنه الوطني واستقراره وبالتالي استقرار المنطقة الاستراتيجي، وعندها وان حدث هذا فانه سيكون بمثابة اعلان حالة الحرب التي لا يرغب فيها الأردن على الاطلاق، الا إذا فرضت عليه، مؤكدين ان أبناء الشعب الأردني يثقون بقيادتهم ثقة مطلقة وبقواتهم المسلحة والقادرين على حمايته وحماية امنه الوطني ومصالحه الجيوسياسية.

وهنا فانه أصبح من الضروري للإدارة الامريكية الاستماع لصوت الملك ولطروحاته القائمة على ان الامن والسلام في المنطقة لن يتحققا الا بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وإقامة الدولة الفلسطينية والتي بالفعل ان حصلت ستجعل من الرئيس ترامب رجل سلام استطاع الوصول الى حل اعقد قضية عالمية امتدت منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا، وهو الامر الذي يتطلب منه فرض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وعندها سيكون من اقوى المرشحين للحصول على جائزة نوبل للسلام.

الغد











طباعة
  • المشاهدات: 2779
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
09-02-2025 09:04 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل ينجح مخطط ترمب المدعوم "إسرائيليا" في تهجير الفلسطينيين من غزة رغم الرفض القاطع لمصر والأردن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم