09-02-2025 09:23 AM
بقلم : د. أحمد بطّاح
مع أن الرئيس الأميركي الجديد «ترامب» لم يعلن بعد مقاربته لحل القضية الفلسطينية أو أسلوب التعامل معها بصورة متكاملة إلا أنّ مبادراته وأفكاره تتيح لنا أن نتصّور نمط تعاطيه مع هذه القضية، ويمكن إجمال أركان هذا التعاطي على النحو الآتي:
أولاً: وقف إطلاق النار في قطاع غزة، فقد طلب ترامب بوضوح من رئيس الوزراء نتنياهو بل ضغط عليه لأجل وقف إطلاق النار في القطاع، وذلك كي يبين مدى تأثيره وهيبته كرئيس جديد ولإطلاق الأسرى (الرهائن) الإسرائيليين، وقد كان من الواضح أنّ الفلسطينيين كانوا مُغيبين عن خطابه فقد هدّد وتوعد من أجل إطلاق الرهائن ولم يذكر الفلسطينيين بشيء متجاهلاً الإبادة الجماعية التي كانت تمارسها إسرائيل في القطاع، والتي تمخضت عما يزيد على 150.000 شهيد وجريح وتدمير حوالي 80% من البنية التحتية من مساكن، ومستشفيات، ومؤسسات تربوية وغيرها.
ثانياً: الدعوة إلى تهجير الفلسطينيين أو بعضهم (ما يقارب المليون على الأقل) من القطاع إلى مصر، والأردن وذلك بدعوى تسهيل عملية إعمار القطاع المُدمر وتأهيله لساكنيه الذين قد يعودون إليه بعد وقت قريب أو بعيد كما قال، ومن الواضح أن هذا التهجير مرفوض من الفلسطينيين الذين عادوا كالحجيج من جنوب القطاع إلى شماله رغم الدمار الهائل الذي لحق به، وهو كذلك مرفوضٌ من كلٍ من مصر والأردن لما فيه من إجحاف بحق الفلسطينيين، وتصفية لقضيتهم، ولما فيه من إضرار بالأمن القومي لكلا البلدين، وذلك فضلاً عن كون مثل هذا التهجير يُعتبر ?تطهيراً عرقياً» من وجهة نظر القانون الدولي.
ثالثاً: تدعيم إسرائيل في تصفيتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وشل عملها وبالذات في قطاع غزة والضفة الغربية تمهيداً لشطب حق اللاجئين في العودة، ومعروف أن ترامب في عهدته الأولى (2016- 2020) أوقف التمويل الأميركي عن «الأونروا»، وابقاها في أزمة مالية حدّت من تقديم خدماتها في الأردن، وسوريا، ولبنان فضلاً عن قطاع غزة والضفة الغربية.
رابعاً: التركيز على توسيع مساحة إسرائيل التي اعتبرها ترامب «صغيرة»، ومن الواضح أن ذلك معناه أن تتوسع إسرائيل على حساب وطن الفلسطينيين الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي (الضفة والقطاع وهما يشكلان 22% فقط من مساحة فلسطين التاريخية)، أو على حساب جيرانها (مصر، سوريا، الأردن، لبنان)، وبالطبع فإن الأقرب هو الضفة الغربية وغزة وبخاصة أنّ إسرائيل تعتبر أن الضفة الغربية هي «يهودا والسامرة» التي وعدها الربّ بها، ولذا فليس غريباً أن يوافق «ترامب» على ضم الضفة الغربية أو جزء منها على الأقل (التجمعات الاستيطانية، غور الأرد?) إلى إسرائيل، ويجب ألّا ننسى في هذا السياق أنه وافق على ضم (الجولان) السوري المحتل إلى إسرائيل في تجاهل صارخ لكل القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تعتبر الجولان السوري أرضاً محتلة.
خامساً: المضي قدماً في توسيع «الاتفاقيات الإبراهيمية» لكي تشمل دولاً أخرى وبالذات المملكة العربية السعودية كدولة وازنة في العالمين: العربي والإسلامي، وإنّ مما لا شك فيه أن «ترامب» يسعى إلى «دمج» إسرائيل في المنطقة، وتطبيع جميع الدول العربية معها وصولاً إلى تصفية القضية الفلسطينية نهائياً.
هل سينجح «ترامب» في تعاطيه هذا مع القضية الفلسطينية؟ في تقديري أنه لن ينجح لأنه بهذا التعاطي أو المقاربة يتجاهل جوهر القضية الفلسطينية وهو حقوق شعب فلسطين الذي يساوي تعداده الآن تعداد الإسرائيليين في فلسطين التاريخية، ولعلّنا نذكر أن ترامب جرّب خلال ولايته الأولى تمرير ما أسماه «صفقة القرن» التي اعترف بموجبها بالقدس «عاصمة أبدية» لإسرائيل، وقطع المعونة عن «الأونروا»، وأغلق القنصلية الفلسطينية في القدس وكان يرمي إلى اعطاء الفلسطينيين «دويلة» مكوّنة من «كانتونات» لإسكاتهم.
هل هناك بديل لما يفكر فيه أو يخطط له ترامب؟ بالطبع البديل القائم والذي لا غنى عنه هو «حل الدولتين» الذي ترتضيه منظمة التحرير الفلسطينية ومعظم الدول العربية كما تباركه الشرعية الدولية، ويبرز هذا الحل كحل وحيد في ضوء البديلين المطروحين أحياناً وهما: الدولة الديموقراطية الواحدة لكل مواطنيها (المساواة بين الجميع عرباً ويهوداً في ظل القانون) حيث استبعدته إسرائيل في الواقع عندما سنت قانون «يهودية الدولة» في عام 2018، والبديل الآخر وهو الإبقاء على الوضع القائم كما هو والذي أدى في الحقيقة إلى أحداث السابع من اكتوب?.
إنّ من الواضح أن «ترامب» رئيس قوي، ومن الواضح أنه ينظر إلى القضية الفلسطينية من زاوية «المسيحيين الإنجيليين»، الذين ينكرون وجود الشعب الفلسطيني، ولكن من الواضح أيضاً أن هذا الشعب الذي تحمّل حرب إبادة جماعية حقيقية طوال خمسة عشر شهراً ثم لم ينكسر ولم يهاجر لن يقبل بأقل مما تقبله الشعوب الأخرى من استقلال، وحرية، وكرامة.
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-02-2025 09:23 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |