بقلم : عبدالهادي راجي المجالي
.... زمان لم يكن مصطلح (مدام) متداولاً، ولا آنسة.. ولا (مدموزيل).. كان المصطلح الأكثر رواجا (نسوان)...

ياما سمعت من اهلي صرخات في الأعراس تقول: (طلعتوا مناسف للنسوان)، وياما تردد المصطلح في أذني حين كانت تندلع الانتخابات، ويطلب أحدهم من آخر إرسال الباصات للنسوان.

في طفولتي، وحين تجتمع (النسوان) على مائدة، كانت كل واحدة قبل أن تضع اللقمة في فمها، تضعها في أفواه الأطفال، كن رحيمات وكان الود يقطر من عيونهن، وذات يوم في (عزاء كبير) تسللت لغرفة في منزل صاحب الدار، وسكبت علبة (سمن بلدي) على أكمام القميص وجسدي، أتذكر أن واحدة من (النسوان) جاءت إلي وبقيت نصف ساعة وهي تغسل أكمام القميص، وتمسح من فمي وكفي بقايا السمن، أنا لا أعرفها ولكنها طلبت مني الانسحاب بهدوء حتى لا تعلم والدتي بالأمر واتلقى العقاب.

(نسوان) بالمعنى الحقيقي للكلمة، ونسوان بكامل شروط الجمال الرباني، وبكامل متطلبات الرأفة والحزم.

أحن إلى زمن (النسوان)، إلى (المدرقة) السوداء، التي لها جيوب واسعة، وفي الجيوب كل شروط الفرح، كانت الجدة أو الخالة أو العمة، حين تضع يدها في جيب (المدرقة)، عليك أن تعلم أنها إما ستخرج المال أو الحلوى أو الفرح، أحن إلى الزمن الذي كان الطعام من أيدي (النسوان) أشهى وأجمل، إلى الزمن الذي كانت فيه الجدائل تنسدل على كتفين، من حب وعسل وطهر وأمان.

هل انقرض زمن (النسوان)، زمن الكحل الذي يحيط بالعين، كأنه سياج يحرس الجنة، زمن (المقلوبة) التي تطبخ على عجل، زمن الآيات القرآنية التي تتلى عليك حين تشعر بسخونة أو مرض، زمن الزيت الساخن الذي يسكب في الأذن حين تصاب بالتهاب حاد، زمن الأكف الحانيات التي تمسح زندك بالماء والملح إن تعرض للالتواء، زمن انتظارنا حين نعود في المساء وقد شبعنا من اللعب، وتجد رائحة الزيت والزعتر وطعم الشاي أشهى من صوت فيروز، هل كانت النسوان في ذلك الزمن يمتلكن إيقاعا خاصا بالطعام يشبه إيقاعات بليغ حمدي أو ألحان الموجي؟

أنا حقيقة لا أؤمن بمراحل التطور الاجتماعي المتمثلة بالبداوة، من ثم الانتقال لمرحلة الزراعة، ثم الاستقرار وبناء المجتمعات.. أنا لا أؤمن بكل ذلك، أؤمن بمرحلتين فقط في التطور (الحريمي)، مرحلة (النسوان)، ومرحلة (المؤثرات)، وكلما شاهدت الفيديوهات التي تعرض، أقول في داخلي: الحمد لله أنه تم انتاجي في مرحلة (النسوان).

ما زالت كفي تفوح برائحة السمن البلدي، هل شممتم في المقال معنى (نسوان)؟

Abdelhadi18@yahoo.com

الراي