حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,22 فبراير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2443

د. مثقال القرالة يكتب: الملك: دبلوماسية الحكمة ورفض التهجير

د. مثقال القرالة يكتب: الملك: دبلوماسية الحكمة ورفض التهجير

د. مثقال القرالة يكتب: الملك: دبلوماسية الحكمة ورفض التهجير

12-02-2025 10:05 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

د. مثقال القرالة - في ظل الأحداث المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، وخاصة منطقتنا، يجد الأردن نفسه في قلب العاصفة، كما كان دائمًا، مدافعًا عن قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ولكن بين العاطفة والسياسة، هناك تفاصيل كثيرة يجب أن تُفهم بعمق، بعيدًا عن التفسيرات السطحية والانفعالات الآنية. من هنا، لا بد من تحليل موقف الأردن وقيادته بحكمة، والنظر إلى الصورة الكاملة قبل إصدار الأحكام. منذ بداية الأزمة، كان موقف الأردن واضحًا وثابتًا: لا للتهجير، لا للوطن البديل، وكلا على القدس. هذه ليست شعارات تُقال للاستهلاك الإعلامي، بل هي ثوابت وطنية التزم بها الأردن منذ عقود، وكرّسها في كل المحافل الدولية والإقليمية. لكن السياسة لا تُدار بالعواطف وحدها، بل تحتاج إلى ذكاء ودبلوماسية وتكتيك مرن للتعامل مع القوى الكبرى، التي لا تعتمد على لغة الشعارات بل على لغة المصالح.
ما فعله الملك اليوم لم يكن تنازلاً، ولم يكن تغييرًا في الموقف، بل كان تحركًا محسوبًا بدقة لامتصاص الضغوط الدولية، وتجنب الدخول في مواجهة غير متكافئة مع قوى كبرى، مع الحفاظ على الثوابت الأردنية. حيث ان السياسة، كما هو معروف، ليست دائمًا خطوات للأمام، بل تحتاج أحيانًا إلى خطوات تكتيكية للخلف، مثل لعبة الشطرنج، حيث يكون الهدف النهائي هو تحقيق المصلحة الوطنية العليا، وليس تسجيل النقاط في اللحظة الراهنة فقط.كما ان أحد أهم الجوانب التي أكد عليها الملك هو أن القضية الفلسطينية ليست مسؤولية الأردن وحده، بل هي قضية عربية وإسلامية يجب أن يكون لها دعم إقليمي ودولي واسع. لا يمكن للأردن أن يكون في مواجهة منفردة مع القوى الكبرى، ولا يمكن تحميله وحده عبء الدفاع عن فلسطين في ظل غياب دعم عربي قوي وفاعل. عندما قال الملك إن الأردن مستعد لاستقبال ألفي طفل مريض بالسرطان، لم يكن ذلك قبولًا بأي مشروع تهجير، بل كان رسالة إنسانية تحمل في طياتها موقفًا سياسيًا قويًا، مفاده أن الأردن مستعد لمساعدة الفلسطينيين كأشقاء، لكن ليس على حساب حقوقهم الوطنية أو على حساب القضية الفلسطينية. هذا التصرف هو جزء من الدبلوماسية الذكية التي يعرفها القادة السياسيون، حيث يتم امتصاص الضغوط من جهة، وإعادة توجيه القضية إلى الإطار العربي والإقليمي من جهة أخرى.
هناك من يتعامل مع الأحداث وكأنها تحديات مباشرة يجب أن تُحسم بلغة المواجهة المباشرة، أو كأنها حلبة صراع حيث يجب "إفحام" الطرف الآخر والانتصار عليه بشكل علني. لكن السياسة الحقيقية لا تُدار بهذه الطريقة. هناك فرق بين اتخاذ موقف صارم وبين التصعيد غير المدروس، والفرق بين القائد السياسي الحقيقي وبين من يتحرك بردود الفعل العاطفية. الأردن يملك أوراق ضغط، لكنه بحاجة إلى دعم عربي قوي لتعزيز موقفه، وليس إلى الدخول في معارك إعلامية أو استقطابات داخلية قد تضعف موقفه بدلاً من تقويته. الملك لم يتراجع عن موقفه، بل استخدم لغة دبلوماسية محنكة تضمن للأردن البقاء في موقع القوة، دون الانجرار إلى مواجهات غير محسوبة العواقب.
ما يحدث اليوم ليس تراجعًا ولا قبولًا بأي مخطط، بل هو إدارة حكيمة لمعركة طويلة ومعقدة. الأردن لن يقبل بالتهجير، ليس فقط على أرضه، بل لن يسمح بسلب غزة أو تصفية القضية الفلسطينية. المعركة مستمرة، ولكنها تحتاج إلى وعي سياسي، وإدراك أن القوة لا تعني الصدام المباشر دائمًا، بل تعني القدرة على إدارة الموقف بحنكة، والتحرك في المساحات المتاحة بأكبر قدر من الذكاء والفعالية. في النهاية، المطلوب اليوم هو التكاتف خلف موقف الأردن الوطني، ودعم قيادته في هذه المرحلة الحساسة، لأن هذه ليست معركة يوم أو موقف إعلامي، بل هي معركة وجود ومصير تحتاج إلى الصبر، الحكمة، والتخطيط بعيد المدى.
د. مثقال القرالة











طباعة
  • المشاهدات: 2443
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
12-02-2025 10:05 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة رغم مواصلة نتنياهو وترامب تهديد حماس باستئناف الحرب والتهجير؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم