بقلم : د.نشأت العزب
وسط عالم متغير حيث الأزمات والضغوطات تحاصر الدول والمجتمعات من كل جانب، يظهر الاقتصاد الرقمي كإجابة حقيقية و قابلة للتطبيق تتجاوز كونها مجرد حل اقتصادي، في الأردن نواجه تحديات عميقة تمتد من البطالة إلى القيود الجغرافية والاقتصادية يبدو من خلالها أن الاقتصاد الرقمي ليس مجرد خيار بل ضرورة تعيد صياغة مفهوم الاقتصاد بحد ذاته وتحفزنا على إعادة التفكير في علاقتنا مع الطبيعة، المال والواقع.

في جوهر الاقتصاد الرقمي، تتبدل معايير القيمة، لم تعد الأرض أو العملة هما المصدر الحصري للقوة الاقتصادية، بل أصبحت البيانات والأفكار، تلك العناصر “غير الملموسة”هي جوهر النمو في هذا العصر الجديد الذي يحاول كل طرف تشكيل ملامحه ليكون جزء من المستقبل، ان هذا التحول يمثل قفزة حقيقية تختلف من فيه معاير النمو و الاقتصاد و التقدم بل حتى معايير القوة؛ فالاقتصاد الرقمي يحرر الإنسان من قيود المادة إلى فضاء الافتراض، حيث لا تحدّه المسافات أو الموارد.

ان الأردن اليوم يقف على أعتاب هذا التحول، لكن ليس بلا صراع، فالضغوط الاقتصادية ليست فقط عائقًا و تحدياً، بل هي أيضًا الحافز الذي يدفع المجتمعات نحو التغيير، فجائحة كوفيد-19 قدمت درسًا لا يمكن تجاهله حين توقفت عجلة الاقتصاد التقليدي فقد كان العالم الرقمي وحده هو القادر على الاستمرار، هذه التجربة أكدت أن الحلول لا تأتي من التمسك بالماضي، بل من القفز نحو المستقبل و اخذ قرارات حقيقية و جريئة نحو التغير الحقيقي.
على الرغم من التحديات تقف كجدار عالٍ، يبدو أن الاقتصاد الرقمي يحمل في طياته حلاً حقيقاً للحكومات الفقيرة على حدة و للشباب المتطلع نحو المستقبل الحالم بحياة كريمة من جهه اخرى، فالشباب الأردني يمتلك إبداعًا لا حدود له، لكن الفرص التقليدية لم تعد تكفي لاستيعاب طاقاتهم، و أصبحت أعداد الخريجين عبء كبيرا على الحكومة التي لا تملك اي خيارات تقليدية لاستيعابهم و هذا منطقي جدا في ظل المساحة الصغيرة للأردن و في ظل شح الموارد ايضاً، و في هذا السياق تصبح التكنولوجيا ليست مجرد وسيلة او خيار بل هي مفتاح لتحرير إمكانات لم تُستغل بعد و لحل مشاكل لا حلول باستخدام نفس المنطق التقليدي.

من جانب آخر أن الأزمات ليست دوماً مؤشر عبء بل هيل في كثير من الأحيان مؤشر يقودنا إلى طريق مختلف لنعزز مكاننا في المستقبل، قد تكون التحديات كفرصه من خلالها نعيد النظر في كل خططنا المستقبلية لنعيد النظر من جديد في اليه ادارة الموارد و المال، انها اللحظة التي تدفعنا للتفكير بطرق جديدة حتماً ادواتنا فيه هي العالم الرقمي الذي إذا ما أُحسن استغلاله، فسوف يكون الطريق لتجاوز الحدود التي فرضتها الظروف الجغرافية والسياسية على الأردن، فيمكننا أن نتخيل رائد أعمال في قرية نائية يبيع منتجاته عبر الإنترنت لأسواق عالمية، أو طالبًا جامعيًا يصمم تطبيقًا يحل مشكلة محلية وينتشر عالميًا، او استغلال المساحات و الطاقة الشمسية و البطالة لجذب شركات عالمية لتنطلق من الأردن بجعله بيئة مثالية للتطور و التقدم التكنولوجي، هذه ليست أحلامًا مستحيلة، بل هي الإمكانات التي يتيحها الواقع و الاقتصاد الرقمي.

هنالك واقع قادم لا يمكن تجاوزه من دون القدرة على استشفافه ، حينها فقط يمكن بلورته بما يناسب مشاكلنا الحالية و يمكننا تجاوزها ، ان البحث عن حلول بعقول تقليدية لا تتستطيع تخيل ملامح المستقبل لهو أمر عبثي و لا نتيجة لها سوى تراكم للازمات الاقتصادية و الاجتماعية مما يجعل اقتصادنا عرضه للخطر أمام اي أزمة اقتصادية عالمية، فلا بديل اليوم من البحث عن الحلول من خلال العالم الرقمي فهو ليس مجرد استجابة للأزمات، بل فرصة الحل الذهبي الذي يجنبنا العديد تعيد من آثار الأزمات و التخبطات الإقليمية و العالمية، إنه دعوة لخلق واقع جديد، حيث تتحرر الأفكار من قيودها وتصبح القوة الحقيقية في أيدي من يجرؤ على الابتكار.
هذا التحول ليس مجرد ضرورة اقتصادية فحسب ، بل هو سؤال وجودي عن كيفية تجاوز الحاضر وبناء المستقبل.