حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,22 فبراير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2761

د. محمود ابوعويضة يكتب: تحليل للقاء جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين مع الرئيس الأمريكي

د. محمود ابوعويضة يكتب: تحليل للقاء جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين مع الرئيس الأمريكي

د. محمود ابوعويضة يكتب: تحليل للقاء جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين مع الرئيس الأمريكي

12-02-2025 01:29 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : محمود عبدالكريم ابوعويضة
في 11 فبراير 2025، عُقد لقاء مهم بين الملك عبد الله الثاني والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، حيث تطرق النقاش إلى قضايا إقليمية محورية، كان أبرزها الوضع في قطاع غزة. تميز هذا اللقاء بتباين واضح في الأسلوب بين القائدين، فقد بدا الرئيس الأمريكي صريحًا إلى حد التهور، بينما أظهر الملك الأردني حنكة سياسية ودهاءً دبلوماسيًا، نجح من خلالهما في توجيه مسار النقاش نحو مقاربة عربية جماعية، وطرح بديل إنساني يُظهر التزام الأردن بالقيم الإنسانية قبل السياسية.

جاء خطاب الرئيس الأمريكي مليئًا بالصراحة المفرطة التي وصلت إلى حد الاندفاع، حيث قدم مقترحات أثارت الجدل، من بينها فكرة إعادة هيكلة الوضع في غزة عبر نقل سكانها إلى الدول المجاورة، معتبراً أن هذه الخطوة ستسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي. لم يراعِ هذا الطرح تعقيدات القضية الفلسطينية وحساسياتها التاريخية، مما جعله غير مقبول عربيًا، وأثار ردود فعل غاضبة داخل الأوساط الدبلوماسية. ورغم محاولته الظهور بموقف القائد الحاسم الذي يفرض رؤيته على المنطقة، إلا أن نهجه افتقر إلى الواقعية السياسية التي تأخذ في الاعتبار التوازنات الإقليمية والدولية.

في المقابل، تعامل الملك عبد الله الثاني مع هذه الطروحات بأسلوب دبلوماسي رفيع المستوى، حيث تفادى المواجهة المباشرة، وبدلاً من ذلك، أعاد توجيه الحوار نحو أهمية التشاور مع الدول العربية، مؤكدًا أن أي قرار بشأن غزة يجب أن يكون نتاج إجماع عربي وليس نتيجة لإملاءات خارجية. هذا النهج جعل الموقف الأردني أكثر قوة، حيث بدا وكأنه يمثّل الموقف العربي العام، مما أضعف موقف ترامب الذي حاول تمرير أجندة لا تحظى بأي توافق إقليمي.

بذكاء سياسي واضح، لم يسمح الملك عبد الله الثاني بأن يكون اللقاء ساحة لفرض رؤى أمريكية أحادية الجانب، بل عمد إلى تحويل النقاش نحو ضرورة وضع حلول عربية مشتركة للأزمة، وهو ما جعل من الصعب تمرير أي مقترح أمريكي دون موافقة عربية شاملة. هذه الاستراتيجية لم تكن مجرد مناورة دبلوماسية، بل كانت خطوة محسوبة لضمان أن تبقى الدول العربية صاحبة القرار الأساسي في القضايا التي تمس الأمن الإقليمي، بدلاً من أن تُفرض عليها سياسات جاهزة من الخارج.

إضافة إلى ذلك، طرح الملك عبد الله الثاني بديلاً إنسانيًا يعكس التزام الأردن بدوره الإنساني إلى جانب دوره السياسي، حيث أعلن استعداد الأردن لاستقبال 2000 طفل مريض من غزة لتلقي العلاج. لم يكن هذا الاقتراح مجرد مبادرة إنسانية، بل كان رسالة سياسية عميقة تهدف إلى تحويل الاهتمام نحو الحلول الواقعية بدلًا من الطروحات المثيرة للجدل. عززت هذه الخطوة صورة الأردن كدولة مسؤولة تتعامل مع الأزمات بوعي إنساني وأخلاقي، ما أكسبها دعمًا دوليًا وإقليميًا في مقابل الطروحات الأمريكية التي بدت بعيدة عن المنطق العملي.

بعد انتهاء اللقاء، بات واضحًا أن الملك عبد الله الثاني تمكن من فرض رؤيته الدبلوماسية على مجريات النقاش، في حين لم يحقق ترامب أي تقدم يُذكر في تمرير مقترحاته. فعلى الرغم من أسلوبه الصريح ومباشرته الحادة، إلا أن مقترحاته قوبلت برفض عربي واسع، بينما خرج الأردن من اللقاء أكثر قوة وتأثيرًا، بعد أن نجح في الحفاظ على موقفه المتوازن القائم على الحلول الجماعية والإنسانية. لم يكن هذا اللقاء مجرد اجتماع دبلوماسي، بل كان اختبارًا حقيقيًا لفن القيادة والتفاوض، أظهر فيه الملك عبد الله الثاني قدرة استثنائية على التعامل مع الضغوط الدولية وتحويل النقاش من محاولات الإملاء إلى البحث عن حلول ذات طابع إنساني مقبول دوليًا.


بقلم الدكتور محمود عبدالكريم ابوعويضة
دكتور العلوم السياسية
وعضو مجلس محافظة المفرق











طباعة
  • المشاهدات: 2761
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
12-02-2025 01:29 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة رغم مواصلة نتنياهو وترامب تهديد حماس باستئناف الحرب والتهجير؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم